التصنيفات
كتب وقراءات

في سيمياء الشعر القديم

كتاب[1] للدكتور محمد مفتاح[2]، عبارة عن دراسة نظرية [9 ص- 58 ص]، و تطبيقية [61 ص- 186 ص]، يقول المؤلف في مقدمة الكتاب: (و قد اخترت قصيدة أبي البقاء الرندي “النونية” لتحقيق نياتي، و لتطبيق عناصر “نظرية” نحتتها مما ورد عند بعض النقاد العرب القدامى من مبادئ، و مما انتهت إليه هذه الدراسات الشعرية – السيميائية الآن. فالمحاولة – إذن – تدخل ضمن القراءة المتعددة) ص 5.

فالمؤلف يحاول مد الجسور بين التراث العربي و النظريات الغربية الحديثة، و يحاول الجمع – أو النحت على حد تعبيره – بين أكثر من منهج ، ساعيًا إلى ما سماه “القراءة المتعددة”، و معنى ذلك أنه لم يقتصر على المنهج السيميائي وحده، مما يجعلنا في حيرة من كلمة “سيمياء” المذكورة في العنوان، حيث لا نملك لها تفسيرًا غير أنه ربما كان يقصد بها “السمة = العلامة” بمفهومها العام، فتكون الكلمةُ كلمةً جامعةً لما يتضمنه الكتاب من ضروب التحليل!.

وحين ننظر في الجزء النظري من كتابه نجد أنه ينقسم قسمين: الجزء الأول [9 ص – 27 ص]، و يندرج تحت عنوانين: الأول “المعطيات”، و قد تحدث فيه المؤلف عن شخصية الشاعر، و عن الظروف التاريخية التي قيلت فيها القصيدة، و عن حياة القصيدة، و الثاني “قراءة القصيدة على ضوء معايير عصرها”، و هو جزء ليس له علاقة بالسيميائية كما ترون.

أما القسم الثاني من الجزء النظري[ 27 ص – 58 ص] فقد سماه المؤلف “قراءة القصيدة على ضوء المناهج الحديثة”، و انطلق فيه من مقولة بنيوية يُداخلها شيء من الأسلوبية حيث يقول: (إذا ما انطلقنا من مُسلمَّة أضحت معروفة الآن، و هي: أنَّ القصيدة بنية تتكون من عناصر تؤلف بينها علاقات … و العناصر هي :1- المواد الصوتية 2- المعجم الخاص 3- التركيب 4- المقصدية) ص 28.

وإذا تتبعنا ما جاء في هذا القسم من المناهج وجدنا المؤلف يتحدث عن طائفة من المناهج، منها:

“التداولية” عند حديثه عن المقصدية حيث يقول: ( فالنص الشعري إذن ليس لعب بالألفاظ، وليس نقل تجربة ذاتية و حسب، و إنما يهدف فوق ذلك كله إلى الحثِّ و التحريض. و بهذا المفهوم الأخير تشمله نظرية “الكلام فعل”، أو التداولية، و تعني هذه النظرية: أن التحدث يقصد به تبادل الأخبار، و في نفس الوقت يهدف إلى تغيير وضع المتلقي، و تغيير نظام معتقداته أو موقفه السلوكي) ص 55.

كما تحدث “الشكلانية” حيث يقول: (و نحيل القارئ على نموذج واحد و هو “يوري لوتمان” و كتابه “بنية النص الفني”، و بخاصة الفصل السادس الذي تحت عنوان: “عناصر و مستويات الإبدال في النص الفني”. فقد جاء كتابه هذا عاكسًا لنشاط الشكلانيين الروس و تركيبًا لآرائهم) ص 41.

وتحدث عن “الشعرية” حيث يقول: (فالشكلانيون اتجهوا نحو الاهتمام بالرسالة الشعرية في حد ذاتها. و إذا ضربنا المثل بأحد ممثليهم و هو “ياكبسون” وجدناه يقسم وظايف اللغة إلى عدة وظائف، و منها الوظيفة الشعرية التي يركز فيها على الرسالة في حد ذاتها) ص 54.

وتحدث عن “المنهج الفيلولوجي“[3] حيث يقول: (و لاستغلال هذه الأبعاد و إيحاءات الكلمة الشعرية فإننا التجأنا إلى تبني المنهاج الفيلولوجي لتصنيف معانيها و استغلال ما يلائم المقام، و استثمار ما توحي به من تداعيات مختلفة سواء أكانت عن طريق الصور المرتبطة أو عن طريق المقاربة و المقارنة … أو عن طريق التداعي بالإحالة إلى أحداث تاريخية و ثقافية) ص 44.

وتحدث عن “الظاهراتية” حيث يقول: ( و مستندنا في هذا وجهة نظر الظاهراتين الذين يولون الإدراك المباشر الحاصل عن طريق الحواس المقام الأول) ص 44. كما تحدث عن “التناص” عند إحالة على جملة تاريخية مشهورة، أو تعبير ديني، أو استشهاد أدبي.

أما “السيميائية” فقد تحدث عنها في نهاية الجزء النظري قائلاً: (وقد اتجهت محاولتنا هذه إلى أخذ الراجح من مبادئ تلك النظريات و صياغته في بناءٍ عام. وقد التجأنا أحيانًا إلى التحليل السيميائي متممين به النظرية الشعرية إذا وجدنا في بعض الأبيات عناصر سردية) ص 58.

فالمؤلف إذن يزاوج في تحليله هذا ويرواح بين الشعرية والسيميائية، واستخدام السيميائية فيه مشروط بوجود عناصر سردية، ومن أبرز آليات السيميائية المربع السيميائي لغريماس، والأسئلة المتبادرة للذهن هنا هي: هل التحليل السيميائي للشعر مرتهن بوجود عناصر سردية فيه؟ أم أن هذا قصور في فهم السيميائية؟، و هل السيميائية السردية مجدية في تحليل الخطاب الشعري؟.


[1] الطبعة التي بين يدي من نشر “دار الثقافة”، الدار البيضاء، طبعت عام 1989م، دون إشارة إلى رقم الطبعة.

[2] ناقد مغربي.

[3] للفيلولوجيا أكثر من مفهوم، فهي تعني دراسة لغة اعتمادًا على تحليل نصوصها المكتوبة تحليلاً نقديًا، كما تعني تحقيق النصوص بمقابلة النسخ على بعضها. و هنا يناقض المؤلف ما ذكره في مقدمته من أن دراسته سوف تعتمد على التراث العربي القديم و المناهج الغربية الحديثة.

بواسطة صالح الهزاع

مدون سعودي

7 تعليقات على “في سيمياء الشعر القديم”

شكرا لايجازك المفيد ..

استغربت من حديث الناقد عن المعطيات والظروف الخارجية للقصيدة
في ظل المناهج الحديثة المتبعة التي الغت هذه السنة من معاييرها..

مرحبا أبا زياد

غلبتك المنهجية النقدية ، وطغى عليك الأسلوب الأكاديمي في العرض ، أتمنى أن تحاول إعادة الصياغة لتناسب القارئ البسيط . . .

فهناك فرق بين الكتابة هنا وكتابة البحث العلمي ، دام يراعك سيالاً وحبرك متدفق .

أشكر لك طرحك ، وأتمنى لك كل التوفيق .

يقال أن أحد الشعراء غضب حين حللت قصائده بالمنهج السيميائي
وأنا أشد على يده ، فما يصلح للرواية والقصة لا يشترط أن يناسب الشعر
فالشعر جماله بتماسكه وإذا فكك فسد .

أدرس السيميائية الآن ونوعاً ما تقبلتها , لكن أتعجب من المبالغة في الدعاية لها من قبل
أهل المغرب العربي , حتى وصل الأمر لتحقير سواها , ونعت المناهج الأخرى بالرجعية
وأن بحث الماجستير يجب أن يجاري تطور المناهج ويكون منهجه سيميائي وإلا سيحكم
عليه بالتقليدية والتخلف ..!

دمت بخير

.. كنتُ هنا لأقرأكَ بين المشاعر حرفاً ..

و بين الأرواح نبضاً ..

فلتأذن لي بالتأمل ..

.
.

دمتَ خليلاً ..

( شخص لن ينساك ) . . .
😉

كعادتك رائع متميز . . .

يخجل القلم من الرد اليك . . . . .

تحفة من تحفك الجميله تشكر عليها والامل يعجبني فيـــــــــك . . .

😉

كان المسافه ترفض اني اشوفك

خل اتصالك غصب عنها تجيني

وكان اتصالك يمنعه ظروفك

يكفي رسايل شوق بينك وبيني

وان كان مالي حظ حتى حروفك

خلك بعيد ومسكنك وسط عيني!!

😉

أكتب تعليقك

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: