التصنيفات
كتب وقراءات

ومات الجسد وانتهت كل الحكايات

تجمعني بالروائي سعود الشعلان صداقة قديمة جداً عمرها أكثر من خمسة عشر عاماً – و الصدقات كالتحف والآثار تزداد قيمتها مع مرور الوقت! – ومنذ ذلك الحين ونحن نتبادل الكتب الجيدة، ونعرض كتاباتنا على بعض، وروايته الأولى التي سأتحدث عنها اليوم “ومات الجسد وانتهت كل الحكايات” قرأتها أول مرة مُسوَّدة قبل أن تكتمل، وقرأتها مرةً أخرى بعد اكتمالها وقبل الطباعة، و تحدثنا عنها كثيراً، وتناقشنا حولها أكثر.

ومن أجمل ما كتب عن الرواية هذا المقطع التعريفي: ( رواية ترسم لنا حياة شخص حين رفضه الموت، وموته حين رفضته الحياة، وترسم لنا مابين المرحلتين بكل مافيها من تفاصيل وأحداث.

رواية ترسم لنا حياة الحب في قلوب ماعادت قلوب، قلوب أصجت مقابر للأمل بعد أن عبثت بها الأقدار لترينا من ينتصر: الحب أم الأقدار ؟! الأمل أم الألم ؟!.

وستصل بكم الرواية إلى الخط الرفيع الفاصل بين الحياة والموت، وبين الحب واللاحب..
وستتذوقون مرارة أسوأ الأحداث وحلاوة أجملها..
ستتعرفون على شخصيات مختلفة شكلها المجتمع وصقلتها الظروف، وستضحكون حينا وستبكون أحيانا..
ولكنكم في النهاية ستعلمون أننا نحيا كما قدر لنا لا كما أردنا أن نحيا ! )

طبعت الرواية دار الكفاح مرتين: الأولى عام 2006 والثانية 2007، سوف تستمتعون بقرأتها بالتأكيد، وأرجو مما قرأها أن يسجل رأيه هنا أياً كان.

فاصلة:
قبل أيام وصلتني رسالة منه على جوالي يخبرني فيها أنه انتهى من روايته الثانية التي أسماها “مَهَل” .
ألف مبروك يا صديقي، ومن نجاحٍ إلى آخر، أتمنى لك التوفيق دوماً.

وإليكم مقطعاً من الرواية الجديدة:

كان “مهل” قد وصل إلى نهاية طريق الملك فهد شمالا”.. ولم يتبق إلا أن يخرج خارج الرياض لذا عاد مرة أخرى جنوبا” من نفس الطريق..
ـ وما هي الفكرة هذه المرة.. فخبرتي فيك تقول أن أفكارك مجنونة دوما”..
أتعني أنني مجنونة ؟!
قالتها ولا يدري “مهل” لم تخيل شكلها وهي تقولها فوجدها هناك كالأطفال تضرب بقدمها الصغيرة على رخام عرفتها.. وملامحها تحمل ملامح زعل جميل ومصطنع..
ـ نعم, أنت مجنونة..
وحبك مجنون.. وكل جميل فيك مجنون..
ألديك أيَ اعتراض..
أطلقت ضحكة رضا قصيرة لتقول وبواقي الضحكة لا تزال عالقة بالكلمات..
ـ أنت هكذا دائما” تأخذني بالكلام الجميل..
ـ المهم لا علينا..
ـ فكرتي لك يا “مهل” يا حبيبي..
أن اختار لك أغنية أغنيها لك..
وتختار أنت واحدة تغنيها لي..
هاه؟! ماذا قلت..؟
ـ أنت تغنين.. اتفق معك..
لكن أنا اغني أنا فذاك الذي لا أظنه..
ـ ولماذا لا تظنه..؟!
ـ لأن صوتي قبيح بكل بساطه..
ـ دعك من هذا الكلام.. ستغني يعني ستغني..
ـ هل قال لك أحد أني “أبو نوره”..
ـ لتكن جد”نوره” إن شاءا لله.. المهم أن تغني..
كان يبدو أنها متحمسة لتنفيذ فكرتها..
فلم يجد أمام إصرارها إلا الموافقة..
ـ مصدره أنت إذن؟!
ـ نعم.. ستبدأ أنت..
ـ بل أنت من سيبدأ..
ـ ولماذا لا تبدأ أنت؟!
بسرعة أجابها..
ـ إني أريد أن يحمسني صوتك الجميل..ونبرتك العذبة.. فيهيج مشاعري وينقلني إلى عالم أخر أعود منه أغنية جميلة لك..
أحس بتبسمها وإن لم يكن يراها.. ثم قالت:
ـ آه منك.. إنك لا تترك أسلوبك.. حسنا” بهذه غلبتني..
ـ لكن قبل أن تبدأي استأذنك في أني سأسجل صوتك فهل تسمحين..
ترددت “غادة” قليلا” ثم قالت:
ـ بشرط..
ـ أعرفه يا “غادة”.. واطمئني..
حينها..
ابتدأت “غادة” في الغنية التي اختارتها..
كانت قد ذاع حينها تلك الأيام بشكل لافت وكان “مهل” قد سمعها لكنه الان يسمعها بشكل مختلف..
بصوت جميل..
أنه صوت “غادة” حبيبته.
كان مسافرا” مع صوتها إلى آفاق بعيدة ولم يعنه طريق الملك فهد لا من قريب ولا من بعيد..
فكر أين أنت يا “انشتاين” لترى دليلا” جديدا” على نظرية النسبية تقنع به علمائك..
وأمن الآن بنظرية نسبية الزمن لانشتاين” فالوقت مع صوتها كأنه الثانية.. وزحام الطريق مع كلماتها أضحى كأنه الفراغ..
كان يمشي بسيارته بين جموع السيارات ووعيه وشعوره ومشاعره هناك مع صوتها..
فلو عبر الطريق أمامه حيوان “….
من العصر الجليدي لما انتبه له..
كان صامتا” يستمع إلى صوتها العذب وما أن انتهت.. إلا وأطلق يديه من مقود السياره وصفق بكل جراره..
ـ يا عيني يا “غادة”..
ليتني ابتدأت أنا أولا”.. كيف سيكون صوتي من بعد صوتك..
جميلا” كما هو دائما”.. لا تحاول أن تهرب واسمعني ماذا ستغني لي..
“مهل” في تلك اللحظات قد حول مساره إلى طريق خريص شرقا” ليعود مرة أخرى باتجاه الشمال.. لكنه سيسلك طريق العليا العام هذه المرة.. وكما أسمعته صوتها وغنت له.. هو الآن يأخذ دوره مبتدأ..
ليختار أغنيته كثيرا” سمعته يردد بعض أبياتها..
لكنه هذه المرة سيغني لها..
وحييته “غادة” وغاليته تستمع.. وكانت قد استأذنته أن تسجل صوته فأذن لها..
كان يردد الكلمات وهو يقلب نظره في الطريق..
وقرص الشمس الأزلي يطل بين بناية وأخرى يرافق “مهل” المسير..
ويختفي بأكمله.. فيعلم “مهل” أنه الآن يوازي بناية “الفيصيلية” ليعود مرة أخرى لرفقته..
كان الوقت أصيلا” وما تبقى من أشعة الشمس يلامس زجاج بنايات طريق العليا.. فينعكس على أديم الإسفلت..
فكانت هذه هي الأجواء مع كلمات “غادة” بين بيت وأخر..
ـ يا عيني.. الله الله..
كل ذلك جعل مشاعر “مهل” ترحل إلى هناك إلى أفق الشمس البعيد القريب..
كانت”غادة” مستمتعة بصوت محبوبها..
وما أن انتهى إلا وفعلت كما فعل صفقت طربا” وإعجابا” بيديها الصغيرتين..
صدقني لو سمعك “أبو نورة” لاعتزل الفن خوفا” على سمعته..
ضحك طويلا” ثم قال:
ـ تسخرين يا “غادة” هاه حسنا”..
خوفا” على مشاعره وصدقا” منها..
لا أبدا” والله.. بل صوتك جميل حقا”..
وصدقني لست أسخر منك لكني أحببت أن أداعبك.. لكن قل لي..
لما اخترت هذه الأغنية بالذات كي تغنيها..
تردد لحظة ثم أجاب..
ـ لا أدري.. كل ما أدريه أنها أتت على لساني فجأة.. أتراها لم تعجبك؟!
بصدق لا مجاملة..
أبدا” والله يا حبيبي “مهل” بل كانت رائعة وجميله ومع أني لم أسمعها من الفنان الذي غناها إلا أني أجزم أنها منك أكثر سحرا” وروعة..
ـ إذن لم سألتني؟!
ـ لا أدري.. كان مجرد سؤال..

* * *

فعلا”.. وكما تمنت “غادة” ارتحل من تفكير حبيبها ذلك الإحساس المقلق..
فبعد المكالمة والأغنيات والمزاح..
استطاعت أن تذهب عنه مابه..
لكن أترى كل ما كان يجده قد ارتحل..
لا يظن..
ثم لو كان الأمر فعلا” كذلك.. إذن فما هو الشعور الذي يجده الآن..
أتراه عودة للإحساس مرة أخرى..
أم هي بواق له لم تكمل مراسم رحيلها بعد..
كانت هذه الأفكار تتردد في رأسه..
بعد ما أمضى ليلته تلك عند “رياض” كانت ليلة مع رفيقة كما تمناها أن تكون..
تحدثا في كل أمر..
وخرجا سويا” لتتناول العشاء..
وضحكا من قلبيهما بصدق..
وكم مرة أراد أن يتوقف هذا الضحك.. لكنهما يعودان إليه دونما سبب..
وإن أردت شخصا” يزداد ضحكا” فأمره أن يتوقف عن الضحك وسترى حينها كيف يضحك ..
لا يدري”مهل” لم هو يتذكر ذلك الضحك الآن وهو يصعد إلى غرفته..
فعصر يومه كان كئيبا” باكيا”..
ونهايته الآن يعلوها الضحكات..
أي سخرية تتلاعب بها الحياة معه..
لذا.. ردد بصوت مرتفع ليلا” وهو يدخل المفتاح في قفل غرفته.. وبصدق قالها..
“الله يستر.. الله يستر..”.

بواسطة صالح الهزاع

مدون سعودي

6 تعليقات على “ومات الجسد وانتهت كل الحكايات”

السلام عليكم…

تحية تعبق برائحة الورد والياسمين ~

روايــــــة جميلة بكل ماتحمله هذه الكلمة من معنى….

شاقني أسلوب الكاتب الذي اتقن تسلسل الأحداث…وتفنن

في صياغة العبارة…ومما لاشك فيه…هو أن الروائي

” سعـــــــود الشعلان ”

نجم لامع متألق في سماء الكتابة الإحترافية…

كلي شوق لقراءة ” مهل ”

اكاد أجزم بأنها لاتقل عن سابقتها جمالا ً وفنا ً…

شكرا

(f) (f)

مرحبا رواية مهل قراتها كانت أكثر من رائعة وممتعة جدا وأتمنى أنك تتواصل بكتاباتك أما رواية ومات الجسد فأنا لم أجدها فأرجو أن تساعوني على الحصول عليها وبالتوفيق أنشاءاللة من كل قلبي.

اولا امسي عليك وعلى صديقك سعود واقول الله لا يفرقكم
ثانيا رواية ومات الجسد لو قلنا كلمة رائعة لم اوفيها حقها بل هي الابداع بعينه
ثالثا رواية مهل مازالت تحت قيد القراءة
ولكن كل ما يخطه سعود الشعلان فهو ابداع ابداع
تحياتي

لم أترك مكتبة الا وبحثت فيهاا عن الروااية حتى في دبي ولكن لم أجدهاا للأسف 😥
اذا تسااعدوني وتقولون لي وين ألااقيها أكوون شاااكرة
دمتم 😉

تحيه كبيره للكاتب سعود الشعلان ..

انسان مبدع بكل ما تحمله الكلمة من معنى .. جعلني اغوص كثيرا في احداث الرواية و كأنني ارى احداثها امامي .. قرأتها مره و مرتين و في كل المرات اشعر بأنني ولاول مره اقرأها ..
جعلتني ابكي كثيرا .. و احزن اكثر ..

مبدع احد حد الجنون ..

ايضا رواية مهل .. كانت جميلة ..

سعود الشعلان .. استمر على هذا الابداع .. نحن معك ..

أكتب تعليقك

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: