كتاب لطيف جذبني عنوانه، وطرافة موضوعه، فقد سبق وفكرت في جمع أسماء وصور النبات المذكورة في الشعر، وبدأت فجمعت بعضها، ثم أدركت أنه مشروع كبير يحتاج إلى تفرغ، وهو ما لا يتوفر لي، وبعد وقت قصير وجدت كتاب الدكتور “حسن مصطفى حسن” هذا، وما أجمل أن تخطر الفكرة في ذهنك ثم تجد أن غيرك قد كفاك عناء البحث وحول الفكرة إلى كتاب تجد فيه بغيتك، وربما أكثر.
النسخة التي بين يدي الطبعة الأولى من إصدار جامعة الملك سعود عام 1415هـ، في 287 صفحة من الحجم المتوسط، وتتلخص مميزات الكتاب في ذكر أسماء النباتات العلمية ورجوع المؤلف الى خمسة مصادر علمية في النباتات، والترجيح بين النباتات للوصول إلى اسم النبات العلمي الموافق للاسم العربي المذكور في الشعر إذا تعارضت الاقوال، ووضع صورة توضح شكل النبات المقصود.
الإشارات اللطيفة لما بين وصف النباتات ومناسبة ذكرها سواء كان تشبيها أم غيره، مثل إشارته ص ٢٨ لما بين سقوط البرد ثم ذوبانه والأسنان التي تبدو أثناء الابتسامة من سرعة الاختفاء. وذكر الوجوه التي يرد عليها ذكر النبات في الشعر، والحديث في الخاتمة عما ورد في الشعر من ذكر لجنس النبات دون تحديد لنوع، وما ورد في ثمرة العنب، وبعض الصور البديعة لأنواع معينة من النباتات في الشعر.
وقد أحسن المؤلف فوضع في نهاية الكتاب فهارس شاملة للأبيات ومصادرها، والنباتات بأسمائها العلمية، والشعراء والترجمة لهم، ولعله سهى أو نسي فكرر ترجمة بعضهم مثل زياد الأعجم ص٢٥٢ والعرجي ص٢٥٩.
أما الملحوظات على الكتاب فتتلخص في عدم رجوع المؤلف إلى كتاب أبي حنيفة الدينوري “النبات”، وهو في ست مجلدات، والمطبوع منها ثلاثة من إصدار مؤسسة الريان في لبنان، وهو ما يرجح وجود فوات كبير على المؤلف في تعديد النباتات المذكورة في الشعر العربي.
وقد اجتهد المؤلف في الشرح والتعليق على الأبيات، ولكني وجدت قصورًا من المؤلف باعترافه في فهم بعض الأبيات، أو خطأ في الفهم، مما أثر على شرحه لها والتعليق عليها، وعدم إحالة الشروح ومعاني الكلمات الى مصادرها كما فعل في ذكر مصادر تسميات النباتات.
ومن الأمثلة على ذلك قوله إنه لا يدري هل بيت بشر الذي أورده ص٣٢ مدح أم هجاء، وكذلك بيت ربيعة بن نزار ص١٠٠، وقوله إنه لا يفهم كيف يبلغ الغرور بالشباب أن يكون الشاعر في مشيته ذلك اللين المعهود في غصن الرطب مستشهدا ببيت لابن الموصلي ص٣٥، ومثل ظنه أن الحمامة تحل محل الغراب في التطير في البيت الذي أورده لنصيب بن رباح ص٣٧.
ومثل قوله ص٤٣ عن بيت المنخل اليشكري (يرفلن في المسك الذكي وصائك كدم النحير) “لا ادري لماذا يربط هذه الرائحة الجميلة برائحة الدم المنحور”، ويبدو لي أن الشاعر يشبه لون ثيابهن بلون الدم وليس رائحته، وفي ص١٧ ينتقد المؤلف بيت امرئ القيس والمتلمس في أن الأرطاة بيت معرس؛ لأن أغصان الأرطى كأنها عصي، وأوراقه دقيقة لا تقي من المطر، ولا تدفء من يلجأ اليها، فأقول لعلهم إذا أرادوا الاتقاء غطوا هذه الاغصان بأرديتهم، وإذا أرادوا الدفء احتطبوا منها.
و مما يعاب على المؤلف تحكيم ذوقه الشخصي، وغلبة النقد الانطباعي عليه في التعليق على بعض الشواهد التي يوردها، مثل أبيات الحسين بن مطير ص٧٤، وآخر ص١٨٣، وكذلك الاستطراد أحيانا في ذكر ما ليس له علاقة بموضوع الكتاب، مثل استطراده من منتصف ص٤٨ الى منتصف ص٥١، ومثل استطراده آخر ص٦٧، وآخر ص٨٢، و وسط ص١٢٧و١٢٨ و١٩٣.
بالإضافة إلى عدم وضع المؤلف صورًا لبعض النباتات التي ذكرها مثل: الأرطى، والسرح، وشقائق النعمان، والعنصل، والنبع، والنرجس، و وجود أخطاء مطبعية كثيرة، وأخطاء في ضبط الأشعار، وسقوط كبير للحواشي فلا تكاد تخلو صفحة من سقوط.
رأيي الشخصي في الكتاب :
يبدو أن المؤلف يفترض أن كل نبات ذكر في الشعر موجود في بيئة الشاعر، وهو افتراض فيه نظر لأن النباتات قد تعرف في الأسفار، وبالسماع دون المشاهدة، وينشأ عن هذا افتراض المؤلف هذا استغرابه إذا لم يجد النبات في بيئة الشاعر، ويتحول الاستغراب إلى شك في تطابق الاسم المذكور في الشعر بالنبات المسمى غير الموجود في بيئة الشاعر، وهو ما يجعله يبحث عن مسمى آخر لهذا الاسم، ويبني عليه ترجيحه بين المسميات.
ورغم تأكيد المؤلف على معرفة الشعراء للنباتات في بيئاتهم إلا أنه لا يسمي بيئة الشاعر ويربط بينها وبين النبات الذي يتحدث عنه فعندما تحدث عن الورد مثلاً، واجتهد في نفي أن الورد المذكور في الشعر ليس الورد البري الذي ينبت في الجزيرة العربية في المرتفعات الشاهقة، ولو نظر في بيئات الشعراء الذين استشهد بشعرهم في الورد لعرف أنهم من العراق والشام ومصر.
وأرى أن هذا ليس دليلا قاطعًا أيضًا فقد يذكر الشاعر شيئا غير موجود في بيئته، فربما كانت هذه النباتات موجودة لما ذكرها الشاعر، ثم انقرضت من بيئته لأسباب عديدة كما انقرضت بعض الحيوانات من الجزيرة العربية كالفيل، كما أن بعض حبوب النباتات كانت تجلب للجزيرة ويراها الشعراء في الأسواق مثل حب الخردل وحب الفلفل وهو ما تنبه إليه المؤلف.
عنون المؤلف لقرابة الخمسين نباتًا من النباتات التي يعدها رئيسة؛ لأن ورودها في الشعر أكثر من غيرها كما يقول، ولكنه ذكر تحت هذه العنوانات قرابة الثمانين نباتًا من النباتات التي يقول إنها فرعية بسبب قلة ورودها في الشعر، ولا أرى مسوغا لهذا التقسيم؛ لأن عنوان الكتاب لا يدل على أن المؤلف سيهتم بالنباتات التي ترد في الشعر بكثرة دون غيرها.
وأظن أن النباتات المذكورة في الشعر العربي أكثر من الثمانين التي ذكرها المؤلف في كتابه بكثير، وأن الشعر الذي ذكره فيه النبات أكثر مما أورده المؤلف، وهو ١١٤٩ بيت، إلا إذا كان المؤلف يريد في بحثه هذا الاستشهاد، وليس الإحاطة، وهو ما لم يذكره صراحة لا في المقدمة ولا في التمهيد.
من النباتات التي ذكرها المؤلف ص١٩ الأقحوان، ولم يذكر أن الأقحوان هو البابونج، وذكر ص٤٣ أن البهائم لا ترعى التنوم (نبات القنب كما ذكر في هامش الصفحة ذاتها)، لأن فيه سُمية، ثم ذكر أبيات زهير التي يشبه فيها ناقته بالظليم الذي يعدو عدوا لا عقل فيه ولا تمهل ولاخوف بعدما أكلت التنوم، فأقول إن الحشيش المخدر يصنع من نبات القنب ومشي الناقة بالصفة التي ذكرها زهير ربما يدل على أنه كان بتأثير مما طعمته.
وذكر المؤلف ص٤٥ نبات الثمام، فأقول لعل اسم الثمامة القريبة من الرياض منه، ومثلها “حريملاء” من الحرمل الذي ذكره المؤلف ص٥٣، وكذلك العاذرية من نبات العاذر، والقيصومة من نبات القيصوم، وغيرها من المواضع والأماكن التي أخذت اسمها من اسم نبات ينبت فيها بكثرة، أو لا ينبت في غيرها.
4 تعليقات على “نباتات في الشعر العربي”
دائما متأليق أبا زياد
كتاب جيد وتعليق أجود, زادك الله علما.
زادك الله علما …
ودام عطاؤه عليك …
.
.
وإلى الأمااام
أبوالوليد ، non ، عبدالله
شكرًا على مروكم الجميل