أثارت آراء عدد من الأدباء والنقاد العرب في العصر الحديث تجاه الشعر العربي القديم مثل طه حسين والعقاد والمازني في قضايا معينة مثل الوحدة والبناء، أثارت عددًا من النقاد الآخرين أمثال مصطفى ناصف وحسن فتح الباب الذين يرون أننا بحاجة إلى قراءة ثانية للشعر العربي القديم أو إعادة النظر فيه، ويمكن أن نضع كتاب الدكتور حسين الواد “نظر في الشعر القديم” بين هذه الكتب، إلا أنه بحكم تأخره عمن سبقه يبدو أقل انفعالاً، وأكثر روية، وإفادة من المناهج الأدبية والنقدية الحديثة.
يتألف الكتاب من مقدمة وسبع مقالات في موضوعات وقضايا متنوعة عن الشعر العربي القديم، والنسخة التي بين يدي من إصدارات كرسي الدكتور عبدالعزيز المانع لدراسات اللغة العربية وآدابها، بجامعة الملك سعود، دون رقم طبعة، بتاريخ 1431هـ، في 195 صفحة من الحجم المتوسط، وقد قرأت الكتاب مرتين، ولخصت أفكاره تلخيصًا حاولت فيه أن أوجز الفكرة بعبارة صاحبها، يمكنك الاطلاع عليه بالضغط هنا، ودونت ملحوظات، يسرني اطلاعك عليها، وإبداء رأيك فيها.
تقريض القريظ
1- يقول المؤلف في هذه المقالة: “عن الإشكاليتين السابقتين تتولد إشكالية ثالثة تتمثل فيما عمدت إليه المعاجم من تسوية بين القريض والقريظ”ص13. لم يحل المؤلف إلى واحد منها، فبحثت في خمسة معاجم مشهورة، ولم أجد فيها أن القريظ يأتي بمعنى الشعر.
2- ويقول أيضًا: “وبنية الخبر تختلف عن بنية حديث المثل لانتمائهما إلى جنسين من التخاطب مختلفين. ففي الخبر مثلا تكون الشخصيات تاريخية والزمان والمكان قابلين للتحديد، وتكون الأحداث ميالة للتفصيل من خلال ذكر الجزئيات وإيراد الأقوال ووصف الأحوال، والتوسع لإرجاء حصول الفعل”ص17. ثمة أخبار كثيرة لا تتميز بذلك، وفي الحقيقة تستعمل كلمة “حديث” مرادفة لكلمة “خبر” في القص القديم، انظر كتاب”الخبر في الأدب العربي” للدكتور محمد القاضي، ص73-76.
3- ويقول أيضًا: “فالمثل كالحكمة، يصرف في غير زمانه وغير مكانه من المواقف المشابهة لتلك التي كانت في نشأته”، لفتت نظري هذه العبارة، يبدو لي أن بين الحكمة والمثل فروقًا في الاستعمال (التداول)، ولكني لم أجد بحوثًا أو دراسات في هذه المسألة، فهي فكرة بحثية جيدة للباحثين والدراسين.
تحولات الخطاب الأدبي في ضوء علاقاته بالخطاب الديني
١- يقول المؤلف في هذه المقالة: “فالمعروف أن عرب الجاهلية لم تكن لهم دولة” ص٣٧. لو رجع المؤلف إلى أي كتاب عن تاريخ العرب قبل الإسلام لوجد فيه حديثا عن الممالك العربية في العصر الجاهلي، فقد انهارت قبيل الإسلام ثلاث دول عربية قديمة، هي مملكة حمير 525 م، ومملكة الغساسنة 583 م، ومملكة المناذرة 609 م.
٢- ويقول أيضا: “وفي الحقيقة فإنه يعسر أن نعثر في ما وصلنا من كتابات المعري شعرا ونثرا على تشكيك في الدين أو تطاول على مقامه” ص٥٨. أشعار المعري في ذلك مشهورة، وقد تكلم في زندقته عدد من العلماء السابقين منهم شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى، فقال: “والقسم الثالث القدرية الإبليسية الذين صدقوا بأن الله صدر عنه الأمران لكن عندهم هذا تناقض، و هم خصماء الله كما جاء في الحديث، و هؤلاء كثير في أهل الأقوال و الأفعال من سفهاء الشعراء، و نحوهم من الزنادقة، كقول إبي العلاء المعري: أنهيت عن قتل النفوس تعمدا، و زعمت أن لها معادا آتيا، وما كان أغناها عن الحالين” ج8، ص260.
٣- ويقول أيضا: “سارت الرومنسية العربية على خطى سابقتها الأوربية واحتذت حذوها في أغلب ما دانت به حتى في الهجوم على الاستعارة رغم استعمالها لها” ص٦٢. لا أعرف من قال إن الرومنسية العربية أو الأوربية هاجمت الاستعارة، هكذا بعمومها، فأقل ما يقال في هذه العبارة أنها غير دقيقة.
الانفراط والانتظام في القصيدة العربية
1- يقول في هذه المقالة: “فهي تبدو مفككة فاقدة للوحدة لأنها تحول إيقاع الأحداث المتسلسل المتعاقب المتجسم في الأفعال النامية في الزمن إلى إيقاع داخل فضاء معين هو فضاء القصيدة. وهذا الفضاء يلزم الشاعر باتباع ترتيب يختاره لانتظام الإيقاعات” ص84. لا يلزم فضاء القصيدة الشاعر على ترتيب غير متسلسل ومتعاقب للأحداث حتى تنتظم الإيقاعات في القصيدة، بدليل وجود قصائد عمودية في العصر الحديث ذات أحداث متسلسلة ومتعاقبة، مثل قصيدة التينة الحمقاء لإيليا أبي ماضي.
2- ويقول أيضًا: “وهي تبدو مفككة فاقدة للوحدة لأنها تعبر فنيًا عن علاقة غير منسجمة بين الذات الفردية والجماعية والبيئة أو الوسط” ص84. انظر ما ذكره ابن قتيبة في مقدمة الشعر والشعراء عن اختيار النسيب في مطالع المدحيات ص75-76، فهو يوضح جانبًا من العلاقة المنسجمة بين الذات الفردية “ذات الشاعر” والذات الجماعية.
3- ويقول أيضًا: “إن ما اعتبره الدارسون تفككا في القصيدة إنما يتمثل في تعدد المقاطع، واستقلال كل مقطع بذاته من المعجم إلى التركيب والدلالة والوقع. وهذا الاستقلال يجعل كل مقطع قائما بذاته قابلاً للانفصال عن المقاطع الأخرى، فإذا انتزعناها منها لم يختل البناء ولم تفقد القصيدة كيانها أو تضطرب جماليتها” ص92. ماذا عن مقطع الحديث عن الأطلال ثم مقطع الحديث الرحلة ثم مقطع الحديث عن الممدوح، ألا يربط بينها تعاقب زمني يجعل منها بنية واحدة ارتسمت في ذهن المتلقي، فإذا لم يجد مقطعًا منها في القصيدة المدحية القديمة اضطربت جماليتها لديه.
انتحاء “الحياة اليومية” في شعر القرن الثاني
1- يقول في هذه المقالة: “ولعله يتعين هنا أن نذكر بأن الشعر العربي القديم قد أصبح شعر مواقف بعد أن كان قد مر بأطوار من التهذيب لا نعرف عنها شيئًا، ولكنه لا يمتنع أن يكون قد تعلق فيها بالحياة اليومية قبل أن يجنح إلى التسامي عليها” ص160. أشار ابن سلام الجمحي في طبقات فحول الشعراء إلى تعلق الشعر العربي القديم باحتياجات الحياة اليومية لما قال: “ولم يكن لأوائل العرب من الشعر إلا الأبيات يقولها الرجل في حاجته” ص26. مثل الإنشاد عند متح الماء من البئر، وحداء الإبل، وهدهدة الأطفال، إلخ.
ختاما، لحظت ملحوظات يسيرة على أسلوب الكاتب في الكتاب عامة، مثل عدم استقرار الكاتب على طريقة لكتابة حرف الجر “في” قبل “ما”، فمرة يفصلها “في ما” ص104، ومرة يصلها “فيما” ص110، واستعمال “بينما” في وسط الجملة وحقها الصدارة ص162، ووجود بعض الجمل الركيكة مثل قوله: “ففي هذه الفترة الثرية جدًا -والتي لم تزل في تقديرنا في حاجة متأكدة إلى عميق التدبر والتأمل رغم كثرة ما كتب ويكتب عنها- كان الخطاب الأدبي …” ص34، وقوله: “أليس أن تيمة الموت والتلاشي هي التيمة الطاغية في الشعر الحديث عالميًا وعربيًا”ص191.