من أين تبدأ، وماذا يمكن أن تقول عن فيلم المليونير المتشر Slumdog Millionaire الذي فاز بالعديد من الجوائز والترشيحات، ومن بينها جائزة أفضل فيلم، وتكلم عنه كبار النقاد، وكتبت عنه عشرات الصحف، والمواقع الالكترونية؟! كل ما يمكن أن يقال سيكون معادًا؛ لذلك سأكتفي بما كتبه مطيع الله تائب في موقع إسلام أون لاين، وهو من وجهة نظري من أجمل ما كتب عن الفلم:
قدر مكتوب.. كلمات ينتهي بها فيلم “المليونير المتشرد”، و ربما هو قدر مكتوب أن يحصد الفيلم 8 جوائز أوسكار، بميزانية لم تتجاوز 15 مليون دولار، وممثلين مغمورين بعضهم يقف لأول مرة أمام الكاميرا.
لقد ظل فيلم “المليونير المتشرد” يحصد أكثر من 150 مليون دولار في شباك التذاكر عبر العالم منذ أن بدأ عرضه الأول في 23 يناير الماضي، كما حصد أكثر من 60 جائزة سينمائية مختلفة أهمها جوائز “جولدن جلوب” و”بافتا” وأخيرا “أوسكار”، وأصبح الفيلم في رأي الكثيرين جسرا بين الهند والغرب، وسط تصفيق كثيرين وغضب آخرين ممن رأوا فيه إهانة للهند.
قصة نجاح
الفيلم مقتبس من رواية “سؤال وجواب” للدبلوماسي الهندي فيكاس سوراب، ويحكي قصة شاب هندي نشأ في أكواخ محيطة بمدينة مومباي الهندية يفوز في برنامج “من يصبح المليونير” في نسخته الهندية، وقبل السؤال الأخير تلقي الشرطة القبض عليه بتهمة التزوير والاحتيال، وعبر “فلاش باكات” سريعة وفي تناسق رائع وذكي، يعيش المشاهد مع كل سؤال محطات حياة بطل الفيلم “جمال ملك” ليكتشف كيف عرف الأجوبة وهو لا يكاد يكون شابا فقيرا يقدم الشاي للموظفين في شركة اتصالات.
الكاميرا بانسيابية تامة لكن بإيقاع سريع يتحرك بين مشاهد الفيلم ومقاطعها المتداخلة، ويبقى المشاهد مشدودا إلى القصة ومتشوقا لمعرفة المزيد مع كل “فلاش باك” حتى يكتشف كيف عرف “جمال” الجواب وسط ذهول مقدم البرنامج الذي لعب دوره الممثل الهندي الشهير “أنيل كبور” وتصفيق الجماهير المتحمسين لهذا المتشرد المدهش.
إصرار البطل على تحقيق أحلامه يسيطر على روح الفيلم، فهو منذ الصغر لا يعرف الاستسلام، ويقوده هذا الإصرار إلى برنامج من سيربح المليون ليس من أجل الحصول على “المال”، بل من أجل “الحب”، فهو يدري أن “لاتيكا” التي ملكت قلبه وروحه منذ الصغر لابد أن تشاهد هذا البرنامج، وبالتالي قد يقوده البرنامج إليها وهو ما حصل في النهاية.
وبين أكواخ طينية وبيوت من الصفيح، ومدن عشوائية تفوح فقرا وتصدع تخلفا وإجراما، تكمن الكثير من إجابات “جمال” الذي ينحدر من أسرة مسلمة، ويفقد أمه في غائلة طائفية بيد الهندوس ويفر مع أخيه الكبير “سليم” وبنت متشردة “لاتيكا” ليشكلوا ثلاثة خيوط للسرد القصصي في الفيلم تتداخل مرة وتفترق أخرى.
الفيلم يغوص في أعماق المجتمع الهندي بحثا عن الأجوبة ليجسد تناقضاته بين الفقر المدقع والثراء الفاحش، فالتناقض يبدأ من اسم الفيلم “المليونير المتشرد”، ويستمر بين في عرض شخصية أخوين “جمال” بطل الفيلم و”سليم” شقيقه الأكبر الذي يسير في طريق الإجرام. ويتجسد هذا التناقض أخيرا في “المتشرد” الذي يصبح “مليونيرا” ويثير غيرة وشكوك الأثرياء وربما الكثير من الفقراء، لكن التمسك بالحلم والإصرار على تحقيق الأمل يمكن أن يجمع التناقضات في شخص واحد وربما في أمة واحدة وفي بلد واحد.
سحر التصوير وعفوية التمثيل
وانتقال الكاميرا بين الأكواخ وأزقتها المتسخة ومستنقعاتها وأكوام القمامة المحيطة بها، وبين أوكار عصابات التسول وأحياء الدعارة، بشكل سلس ودون توقف كبير عند التفاصيل رسم بشكل دقيق لوحة حزينة للمجتمعات الفقيرة داخل الهند والتي تشكل جزءا كبيرا من بلد العجائب.
لقد سيطر اللونان “الأزرق” و”الأصفر” بشكل كبير على مشاهد الفيلم، مما أعطى نكهة خاصة للاستمتاع البصري فيما ينتقل المشاهد بسلاسة بين أحداث الفيلم التي اتسمت بواقعية كبيرة إلى حد جعل العديد من القوميين والوطنيين الهنود يتهمون الفيلم بالمبالغة في تقديم الجوانب السوداء للهند.
وربما يأتي سر النجاح في الفيلم، من ممثليه المغمورين الذين يقف بعضهم لأول مرة أمام الكاميرا، وما عدا الممثل ” أنيل كبور” الذي مثل دور مقدم البرنامج والممثل “عرفان خان” الذي مثل دور الشرطي المحقق، لا تكاد تجد اسما سينمائيا لامعا في الفيلم.
بطل الفيلم ديف باتيل الذي مثل دور “جمال” شاب بريطاني من أصل هندي وله تجارب مبدئية في التمثيل، وكذلك بطلة الفيلم فريدة بانتو التي مثلت دور “لاتيكا” فهي عارضة أزياء وهي مبتدئة في فن التمثيل، أما البقية فهم أطفال “أبطال” مثلوا أدوارهم بنجاح وفي عفوية مذهلة تأخذك إلى عمق معاناة “التشرد” وفصولها الحزينة، فبعضهم مثل الطفلين المسلمين أزهر الدين إسماعيل الذي مثل طفولة “سليم”، وروبينا علي التي مثلت دور “لاتيكا” الصغيرة يعيشون في عشوائيات مدينة مومباي.
وتعطي معرفة اللغة الهندية نكهة أخرى للمشاهد في متابعة تفاصيل الفيلم، فالأبطال الصغار آثروا التحدث بالهندية في الأحداث التي تغطي مرحلة طفولة “جمال”، وكذلك لا تخلو بعض المشاهد أثناء التحقيق معه في قسم الشرطة وكذلك أثناء البرنامج من استخدام مصطلحات هندية قد تفسدها الترجمة الإنجليزية أو تقلل من نكهتها.
غربية بروح هندية
“المليونير المتشرد” يمزج الغربي بالشرقي منذ البداية، فكاتب السيناريو “سيمون بيوفوي” اقتبس عمله من رواية هندية كتبت باللغة الإنجليزية، والمخرج البريطاني “داني بويل” أخرج الفيلم في الهند وبالممثلين الهنود وأحداث هندية وألوان هندية لكن بمدير تصوير غربي هو “أنتوني دود مانتل”.
وأما الموسيقار الهندي الكبير “الله ركها رحمن” المعروف بموتزارت مدراس، فاستخدم الموسيقى الغربية وإيقاعاتها السريعة لتمتزج مع سرعة الانتقال بين مشاهد الفيلم وحركة الـ”فلاش باكات” المتداخلة، ساعده فيها الفني الصوتي الهندي رسول كوتي الذي حاز على جائزة أفضل “مزج موسيقي” فيما حصل رحمن على جائزتين لأفضل موسيقى وأفضل أغنية أصلية، بجانب المخرج وكاتب السيناريو ومدير التصوير، وبقية الفريق الغربي الذين حصدوا جوائزهم في هذا المزيج الشرقي الغربي الرائع وسط رقصة جماعية وتصفيق الجماهير.
وبهذا المزج الغربي الهندي الجميل استطاع الفيلم حصد كل هذه الجوائز وشكل فارقا كبيرا في عالم السينما حينما أثبت أنه بمقدور فيلم بسيط الميزانية مع ممثلين مغمورين أن يسحب الفراش من تحت أقدام أقوى الممثلين وأكثر الأفلام ميزانية، وأن عناصر نجاح الفيلم تتجاوز الميزانية ووجوه المشاهير.
سينما الواقع بلمسات فنية
ربما يكون البعض في الهند شعر بامتعاض وغضب، على رأسهم الممثل الهندي الأسطوري أميتاب باتشان مما قدمه الفيلم من صورة “بشعة” لحياة الفقر والتشرد في الهند، لكن كثيرين رقصوا في مدن الهند وشوارعها فرحا حينما استلم فريق الفيلم جوائزهم في حفل الأوسكار، وهنأ رئيس الوزراء مانموهن سنك بنفسه الفائزين بالجائزة.
ولاشك أن الفيلم أثار الكثير من النقاش في أوساط الإعلام والفن والسينما في الهند، واعتبر البعض أنه لو كان الفيلم إنتاجا هنديا خالصا لما انتبه إليه أحد، فيما اعتبر أنصار الفيلم بأن هناك من لم يرقه وجود ممثلين هنود مغمورين يمشون فوق السجادة الحمراء في حفل أوسكار فتفوهوا بهذه الأقاويل.
وبعيدا عن السجال الإعلامي في الهند، اعتبر عدد من كبار المخرجين في “بوليوود” معقل السينما الهندية أن الفيلم يشكل منعطفا جديدا في عالم السينما الهندية التي طالما ألهى المشاهد بالدراما والتمثيل غير الواقعي، ودعوا إلى التوجه نحو واقعية أكثر واستخدام تقنيات تصويرية وصوتية أفضل لتقديم إنتاج يرقى للقبول العالمي.
فهل نشهد مستقبلا أفلاما من هذا النوع، يقرب العالم خطوة إلى البعض، ويساعد على فهم أقرب إلى الواقع، بعيدا عن الولوغ في الخيال المفرط أو أكاذيب سياسية واجتماعية وتاريخية؟.
تعليق واحد على “فيلم المليونير المتشرد”
كلام جميل .. ودعاية رائعة للفيلم .. شدّتني كثيراً للبحث عنه : )
سـَ أشاهده عمّا قريب – بإذن الله –
صالح .. أبهرنا باختياراتك المتميزة .. فنحنُ دوماً بالنتظار ما تنتقيه لنا يا مُبدع : )