التصنيفات
كتب وقراءات

في خصوصية الأدب ومنهجه

 

كتاب مكون من 119 صفحة من الحجم المتوسط، من تأليف أ.د. حمد بن ناصر الدُخيّل، الأستاذ في قسم الأدب في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، تاريخ الطبعة الأولى 1429هـ -2008م، وهو عبارة عن محاضرة وثلاثة أبحاث، أسهم بها الأستاذ الدكتور في مناسبات مختلفة كما يقول في مقدمته – ص 5.

الكتاب لطيف قيِّم، فللمؤلف خبرة كبيرة في التعليم الجامعي، والإشراف على البحوث الجامعية ومناقشتها، كما أن بعض الموضوعات التي تناولها لم تطرح كثيرًا، والمؤلفات فيها قليلة، مثل البحث الذي قدمه الأستاذ إلى ندوة ( الجامعة و آفاق المستقبل ) المنعقدة في كلية الآداب بجامعة الكويت عام 1417هـ -1996م بعنوان : ( طبيعية البحث العلمي الجامعي ).

ومع أن مادة البحث تدرس للطلاب والطالبات في المرحلة الثانوية، والجامعية، إلا أن المؤلفات التي تتناول البحوث الجامعية قليلة، حيث إن أكثر المؤلفات في البحث تناقش البحث ناقشًا عامًا، وقد لمت في تدوينة سابقة أولئك الذين يدرسون بعض المناهج لسنوات ثم يحتفظون بالمادة العلمية لديهم حتى تهترئ الأوراق بين أيديهم، ويحرمون الناس من نشر ما فيها من العلم.

وربما نلتمس لهم بعض العذر فيما يخص التأليف في البحث؛ لأن البحث متجدد، وتقنياته في تطور مستمر لاسيما في العلوم التطبيقية طبقاً لما تتمخص عنه تجارب البحوث في البيئات المختلفة من مقاييس جديدة كما أشار إلى ذلك الأستاذ في كتبه – ص 55.

بدأ الأستاذ بحثه بالحديث عن قيمة البحث العلمي الأكاديمي – و لي تحفظ على هذه الكلمة أشرت إليه في الهامش – ودوره في الحضارة البشرية، وما امتاز به العلماء العرب والمسلمون من دقة في دراساتهم و بحوثهم، وتثبت في صحة المعلومات، والاستقصاء والموازنة، واستخلاص النتائج من التجارب في العلوم التطبيقية، وضرب لذلك مثلاً في الدقة في تمحيص النصوص بدراستهم متن الحديث النبوي وسنده – ص 47.

ثم تحدث عن مفهوم البحث في اللغة فقال : إن مفهوم البحث في اللغة يرتبط بمفهومه في الاصطلاح فالباء و الحاء و الثاء تكون أصلاً واحدًا يدل على إثارة الشيء ، قال الخليل بن أحمد : البحث طلبك الشيء في التراب، ومن معانيه في اللغة أن تسأل عن الشيء وتستخبر، تقول : بحثت عن الضالة إذا بذلت الجهد في التفتيش عنها، وسميت سورة التوبة بسورة البحوث لأنها فتشت عن المنافقين وبحثت أحوالهم وهتكت أستارهم، ونصل من مجمل هذه الأقوال أن البحث في اللغة يراد به بذل الجهد في التفتيش عن الشيء والاستقصاء في طلبه – ص 52.

أما في الاصطلاح فمن الصعب وضع تعريف دقيق للبحث يحدد مفهومه في عبارة موجزة؛ لأن التعريف لا بد أن يتضمن الإشارة إلى تقنيه البحث و شروطه و منهجه وصياغته، ومع ذلك يمكن أن نعرف البحث بأنه : التفتيش الدقيق عن المعلومات الغائبة في موضوع ما باستخدام الوسائل الموصلة إلى ذلك بطرق منهجية محكمة ، و صياغة ذلك بلغة عربية سليمة بحيث تفضي كل جزئية إلى التي تليها دون تكلف أو اعتساف –ص 54.

شروط البحث و حدوده :

وينبغي أن تكون البحوث الجامعية في صورة مثالية من حيث الالتزام بمناهج البحث الموضوعية ، و التفتيش عن كل جديد مفيد يخدم هذه المنهجية ، و توجيه البحوث إلى الاتصاف بالاستقصاء في معالجة الموضوع ، أو القضية أو المشكلة ، و استخدام الطرق العلمية المعينة على ذلك ، و من أهم شروط البحث :

1 – ينبغي أن يكون المنهج أو الخطة التي تستوعب القضية موضوع البحث من جوانبها المختلفة في سياق مطرد و ترتيب منطقي بحيث تفضي كل جزئية إلى التي تليها ، و تبقي خطة البحث خاضعة للتعديل و الحذف و الإضافة حتى يفرغ الباحث من إعداد بحثه .

2 – ينبغي أن تكون اللغة التي يصاغ بها البحث ، و وسيلة نقله إلى الآخرين سليمة واضحة خالية من الأخطاء .

3 – ينبغي أن يعتمد الباحث على المصادر الأولية الأساسية في استقراء الموضوع و تتبع جزئياته و التفتيش عن العلومات الدقيقة التي يتكون منها البحث ، و توثيق ذلك .

4 – ينبغي أن يتجه البحث في معالجته إلى حقول المعرفة و التخصصات التي تحتضنها الجامعة ، و تدرسها لطلابها و يتلمس الموضوعات الجديرة بالبحث ؛ لتحقيق نتائج تخدم المعرفة ، و تطور التعليم .

5 – ينبغي أن تخصص طائفة من البحوث لخدمة البيئة و المجتمع ، و عدم حصر البحوث العلمية الجامعية في نطاقة الجامعة و وظائفها ، أو لغرض ترقية أعضاء هيئة التدريس أو منهج الشهادات للطلاب فحسب .

6 – ينبغي أن يكون البحث الجامعي متميزًا بما يقدمه من جديد و ما يفضي إليه من حقائق و نتائج ، و يبتعد عن حشد المعلومات و النظريات و الأقوال التي لا تخدم البحث خدمة مباشرة ، و ليس لها تأثير في نتائجه ، بل تهدم الالتزم بالمنهج ، و تلغي شخصية الباحث .

7 – أن تكون شخصية الباحث قوية ماثلة في كل خطوة من خطوات البحث ؛ لأن ذلك مطلب من مطالب البحث الموضوعي الناجح .

ملامحه وحقوله :

أ – ينبغي أن يختار الباحث الجامعي موضوع بحثه من تخصصه الدقيق ؛ فقد أمضى سنوات من عمره دارسًا و منقبًا و باحثًا ، فمن المفترض أن يكون ملمًا بما كتب في العلم الذي رغب أن يكون ميدانًا لتخصصه ، و أن يكون أدرى من غيره بمصادره و مراجعه ، و طريقة البحث فيه .

ب – ينبغي على الباحث أن يتجاوز ما كتب حول تخصصه من دراسات و أن يختار موضوعًا يستطيع أن يلج منه إلى معالجة قضية علمية تبدو غامضة ، أو تكون نتائجها على معرفة أو غير محددة ، و يحاول بوسائل البحث الموضوعية المعروفة أن يصل إلى نتيجة حاسمة أو مقاربة ، فليس كل موضوع يصلح أن يكون بحثًا جامعيًا .

ج – تلبية البحث الجامعي لحاجة العلم الذي تحتضنه الجامعة ، و تلبيه حاجة المجتمع الذي تنتسب إليه ، و ذلك بانتقاء البحوث التي تخدم هاتين القناتين .

د – لا بد أن يكون لعمادات البحث العلمي في الجامعات دور في التخطيط للبحوث ، و تبادل العملومات و المؤلفات و الخبرات ، و التنسيق فيما بينها ، لتلافي التكرار في موضوعات البحوث ، و الارتقاء بمستوى البحوث موضوعًا و بحثًا و إعدادًا .

سلبيات البحوث الجامعية :

1 – انعدام التنسيق بين مراكز البحوث ؛ لأننا نفتقد الإشراف الدقيق و التنسيق الضروري ، ، و تبادل الخبرات يتم في إطار ضيق ، و الصلة بين الباحثين أنفسهم معدومة ، مما جعل كثير من البحوث التي تجري في العالم العربي تتسم بالانفرادية و الارتجالية و العشوائية.

2 – ضعف التخطيط ، فلا تزال الجامعات في العالم العربي لا تعنى بوضع خطط مدروسة لما تعده من بحوث في الحاضر و المستقبل وفق الحاجة القائمة و القادمة .

3 – معاناة الباحثين في الحصول على مواد البحث و مكوناته ، مثل المصادر و المراجع و المخطوطات التي توجد في أماكن نائية ، و لا سيما أن حركة تزويد مكتبات الجامعات ضعيفة ، فيضطر الباحث أن يبذل جهده الشخصي و المالي للحصول على ما يريد لإعداد بحثه .

4 – عدم نشر البحوث العلمية ، فالباحث لا يجد من ينشر بحثه ، لأن تخصصه عملي بحت ، كما أن إمكانات الجامعات المادية محدودة ، فيؤثر ذلك في عطائه و حماسته .

5 – تدني المستوى المنهجي شكلاً و مضمونًا و خطة ، بسبب السرعة في الإعداد و التساهل فيه ، و بسبب ضعف التحكيم و تسامحه .

والحل لتلافي السلبيات سهل ميسور كتابةً، ولكن التنفيذ يحتاج إلى رغبة جماعية صادقة في الدراسة والتنسيق، ووضع الخطط المشتركة، وإلى عزيمة قوية في تطبيق ما تسفر عنه سياسة الدراسة والتنسق، وفي النهاية فإن البحوث الفجة لن يكتب لها الانتشار والذيوع، ولن تكتسب صفة الدوام والخلود ، ولن تتعدى الغرض المؤقت الذي أعدت له.

هامش : الأكاديمية Academy تعني مؤسسة تعليمية، وهي كلمة أغريقية أخذ من اسم بستان اكاديموس وهي إحدى الحدائق العامة في ضواحي أثينا القديمة أسس الفيلسوف أفلاطون مدرسته فيها، وكان يلقي دروسه على تلاميذه فيها، ومدام أن للكلمة مقابل عربي فلأولى استخدامه، فبدلاً من أن نقول : بحث أكاديمي، نقول : بحث جامعي، أو : بحث ترقية، أو : بحث شهادة ..، نسبةً إلى المكان أو الغرض الذي من أجله أجري البحث.

بواسطة صالح الهزاع

مدون سعودي

تعليقين على “في خصوصية الأدب ومنهجه”

أبا زياد
جميل هذا العرض الشائق ..

والدكتور حمد الدخيل ممن له باع طويل في البحث وتحقيق المخطوطات , و الرأي يصدر عن مجرب متمرس. (f)

أكتب تعليقك

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: