كتاب جديد – الطبعة الأولى 2009 – من إصدار دار الفكر – سورية – ضمن سلسلة أطلقت عليها الدار مسمى ” حوارات لقرن جديد “، تحاول الدار في هذه السلسلة الجمع بين رأيين متناقضين في كتاب واحد، بعرض وجهة نظر كل صاحب رأي، كما تمكنه من الرد على الرأي المناقض، وهي فكرة سبقت القنوات الفضائية دور النشر في تنفيذها، والحقيقة أن المجلات هي أسبق من الاثنين.
وكما أن للحوار المباشر – المناظرة – ميزة في معرفة سرعة بديهة كل متحدث ، فإن للكتابة ميزة في مدى معرفة عمق حجة الكاتب بعد أن نال نصيبه الذي يرضيه من التفكير و التأمل و تنسيق الأفكار قبل الكتابة .
المحاوران هما الدكتور وليد قصاب – عمل في أكثر من جامعة منها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – ، وله أكثر من مؤلف في الأدب الإسلامي – في التنظير له والدعوة إليه – وهو عضو رابطة الأدب الإسلامي، والدكتور مرزوق بن تنباك – أستاذ بجامعة الملك سعود – ، وهو من المعارضين والرافضين لمصطلح ” الأدب الإسلامي.
والحوار حول الأدب الإسلامي، ومصطلح ” الأدب الإسلامي “، الذي دعى إليه بعض الأدباء والنقاد قبل نحو ثلاثين سنة، ثم أسسوا رابطة له، ومجلة تعنى به، وتبنته بعض الجامعات و خصصت له أقسامًا أو أضافت مسماه إلى قسم مخصص ، مثل جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية ، و الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة .
زبدة الكتاب وأهم ما ورد فيه – الأهمية نابعة من تفرده من بين الكتب بعرض أسباب الرافضين والمعارضين في كتاب لأول مرة ربما، لست متأكدا – بين صفحة 87 وصفحة 98 ، وهي الصفحات التي بين فيها الدكتور مرزوق أسباب رفضه للمصطلح الحادث وهو مصطلح ” الأدب الإسلامي ، لنرى ما هي هذه الأسباب وما هو رد لبدكتور وليد عليها :
يلخص د مرزوق أسباب معارضته في نقط مرقمة تحت عنوان – سؤال – : لماذا الاعتراض على مصطلح الأدب الإسلامي ؟ و يطلب من دعاة الأدب الإسلامي النظر فيها و مراجعة دعواهم من جديد ، و سوف الخص أنا هذه النقاط أيضًا .
1 – أن مصطلح الأدب الإسلامي ليس مبنيًا على دارسة واضحة الرؤية للأدب ، بحيث يمكن أن يصنف هذا الأدب بعد استقرائه و يطلق عليه المصطلح ، وما دام أن ذلك لم يحصل فلا حاجة إلى تحوير مصطلح الأدب أو تغيير أو تخصيصه .
2 – أن الإسلام معنى شامل للحياة كلها ، و إضافة صفة الإسلام على جزء من الأدب يحرر الأجزاء الباقية منه ، ويسلبها هويتها ، ويجردها من انتمائها .
3 – أن تصنيف أي نوع من الأدب أو وصفه يكون بعد استقراء النقاد له ، أما ما يسمى بمصطلح الأدب الإسلامي فدعاته ينظرون و يدعون إلى شيء غير موجود ، و هنا تنشأ مشكلة التقنين و تظهر آثارها المتمثلة في تقريرية الأداء و صرامة الالتزام .
4 – أن التصنيف و التحديد و الحصر و التضييق يفترض أن يكون للأدب الماجن و الفاسق المرفوض دينيًا حتى يبقى الشمول و الانطلاق للأدب العربي الإسلامي دون تسمية .
5 – أن أغلب أعمال و نشاطات دعاة الأدب الإسلامي انصبت على التنظير ، و لم تخطُ خطوةً ناجحةً أو مبشرةً في الجانب الإبداعي .
6 – أن الدعاة إليه لم يقدموا حجة مقبولة إسلاميًا ، و لا مبررًا دينيًا ، و لا اقتداء بأحد سلف الأمة أو جماعة المسلمين ، بل كان منطلقهم عاطفياً ، و هو مقدر و محترم .
7- أن بعض نظريات الأدب الإسلامي المطروحة بعيدة عن الحس الأدبي ، موغلة في السذاجة ، مسرفة في حسن الظن .
8 – أن هذا التصنيف للأدب الإسلامي قد يحصره في زاوية ضيقة ، و يسمح لغيره بالانتشار ، و التجاوب مع مع عواطف الناس و مشاعرهم ، و يضع دعاته في حرج تجاه كثير من الشعراء المسلمين الذين لا نرضى منهجهم في الشعر ، هل نخرجهم من دائرة الانتساب إلى أدب الإسلام ؟!.
و يرد الدكتور وليد قصاب على ذلك بما يلي تحت عنوانين – و سوف اختصر ما قاله تحتهما – :
العنوان الأول : الأدب الإسلامي ليس بدعة :
1 – أن هناك فرق بين بدعة الدين و بدعة الأدب ، و أن التصنيف و التمييز موجود في القرآن الكريم و السنة النبوية ، و على ذلك مضت الأمة و علمائها في سائر علوم الدين ، و ما فعله دعاة الأدب الإسلامي هو وضع تسمية لهذا التصنيف القرآني و النبوي ، و أن التصنيف و التقنين للصحيح ، و ليس للخطأ و الانحراف .
2 – يتعجب الدكتور وليد من قول الدكتور مرزوق أن هذا المصطلح المستحدث قد فرق شمل الأمة ، و جعل في الأدب أحزابًا و شيعًا ، و يتساءل عن الفرقة التي أحدثتها المذاهب الغربية التي غرق فيه أدبنا الحديث .
3 – يستنكر الدكتور وليد على الدكتور مرزوق قوله أن الخلفاء و العلماء و النقاد قبلوا الحسن من القول و رفضوا غيره دون تصنيف أو تعنيف أو عزل أو عقاب ، و يسوق الأمثلة على ذلك .
4 – يتعجب الدكتور وليد من قول الدكتور مرزوق في الفقرة الرابعة و الثامنة ، و يرد بأن تصنيف الكلام إلى خبيث و طيب هو تصنيف القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه و سلم و علماء الأمة ، و ليس تصنيف دعاة الأدب الإسلامي وإنما هم وضعوا اسمًا لهذا التصنيف، وأن الخبيث قد طغى و تسيد في الأدب الحديث، وأن سكوت المسلمين عن هذا الخبيث، وعدم تقديم البديل هما اللذان يفسحان المجال للأدب المنحرف أن ينتشر وليس العكس، وهذا ما حمل دعاة الأدب الإسلامي إلى الحديث عن دعوتهم .
5 – يتعجب الدكتور وليد من الدكتور مرزوق قوله بعض العبارات كقوله عن دعوتهم بأنها ” طائفية أدبية جديدة ” و يتساءل هل الدعوة إلى أدب يمثل عقيدة الأمة و هويتها و ذوقها هو طائفية أم ما يفعله أصحاب المذاهب الفكرية المنحرفة . و مثل قوله أن التصنيف ” يتنافى مع شمولية الإسلام ” و يرى الدكتور وليد أن العكس هو الصحيح و أن على المسلمين أن يبينوا صلاحية الإسلام لكل أمر من أمورهم .
6 – و يرد الدكتور وليد على الدكتور مرزوق اتهامه لدعاة الأدب الإسلامي بالتناقض في التحذير من الغرب ثم تقليده و يرد على ذلك بأن التقليد المنهي عنه التقليد الأعمى ، و ليس التقليد في أخذ النافع المفيد . و ينفي كلام الدكتور مرزوق أن دعاة الأدب الإسلامي أوهموا أزمة تتمثل في حصار الثقافة الغربية لثقافتنا و سيطرة الأدب المنحرف على ساحتنا الفكرية .
العنوان الثاني : التعميم و القسوة في الأحكام :
وهنا يورد الدكتور وليد مجموعة نعوت الدكتور مرزوق لدعاة الأدب الإسلامي التي يراها قاسية وغير صحيحة ومنها :
1 – قول الدكتور مروزق أن هدف دعوتهم ” الإبقاء على الأدب التقليدي بشكله و مضمونه ” ثم يعيد بعض كلامه الذي ذكره من قبل حول التصنيف .
2 – رأي الدكتور مرزوق في دعاة الأدب الإسلامي الذين انتقدوا آراء المتقدمين ، حيث قال عنهم و عن صنيعهم ” العدوان السافر على كل التاريخ الثقافي و الفكري و الأدبي للأمة العربية ، و التنقيب في توجهات الناس ، و تلويث الذاكرة العربية المعاصرة بالأدلجة الممقوتة فقد كانت الأجيال العربية تقرأ هذا التراث بسلامة النية ، و تظهر الإعجاب بما قدموه للفكر و العربية و الثقافة ، حتى جاءت هذه النابتة فشوهت أذهان الناس و بلبلت أفكارهم .. ” و يرد عليه الدكتور وليد بأن في ذلك تضخيم و تجريح و هجوم على دعاة الأدب الإسلامي ، و أن التراث غير معصوم ، و أن الدعوة إلى ” إعادة قراءة ” التراث يرفعها الجميع الآن .
3 – يرى الدكتور وليد أن الدكتور مروزق يتصيد أي اختلاف في وجهات النظر بين دعاة الأدب الإسلامي ليتخذ من ذلك وسيلة لتسفيه التجربة النبيلة ، و زعم عدم وضوح فكرتها عندهم ، أو عدم استقرار المصطلح لديهم ، و يرد بأن هذا كلام مبالغ فيه .
4 – يرى الدكتور وليد أن تصيد الاختلاف في وجهات نظر دعاة الأدب الإسلامي هو الذي قاده إلى خطأ التعميم الذي وسم بحته ، فهو يتصيد رأيًا ضعيفًا أو شخصيًا فيجعله رأي الجميع و يمتد تعميمه هذا إلى التجربة الإبداعية فيلغيها بجرة قلم ، و هذا مخالف للمنهجية العلمية من عدة وجوه :
أ : أنه استقراء ناقص ، و انتقاء متعمد ، و تجاهل لعشرات النصوص الشعرية المتميزة .
ب : أنه يقوم عل حصر تجربة الأدب الإسلامي فيما يبدعه أدباء الرابطة فقط ، و هذا خطأ بيِّن ؛ لأن الأدب موجود في إبداع أي أديب مسلم .
ج : أن هناك فرق بين الالتزام و الألزام ، فإما أن يكون مفهوم الدكتور مرزوق مضطرب حول الالتزام و إما أنه ضد الالتزام لأنه ضد الإبداع كما يقول ، و هذا اعتقاد تفنده النصوص الأدبية الهادفة التي خلدت في التاريخ .
5 – أن رد الواحد من دعاة الأدب الإسلامى على الأخر لم يحمل الدكتور مرزوق على النصفة و استبعاد التعميم .
6 – ” هي جزء من الفقرة الثانية ” .
7 – أن الدكتور مرزوق يوهم القارئ أن دعاة الأدب الإسلامي لا يعترفون بموهبة أديب إن وجد في كلامه تجاوزات عقدية أو كان على غير منهجهم ، و يرى الدكتور وليد أن الدكتور مرزوق لو اطلع على جميع أو أغلب ما ألف في الأدب الإسلامي لعرف أن ذلك غير صحيح .
8 – قول الدكتور مرزوق عن معايير نقاد الأدب الإسلامي بأنها ” جائرة، متعسفة، متشددة كل التشدد، بعيدة كل البعد عما يمكن تحقيقه في الشعر والأدب ” وأنه ” لو وجد أديب ينطبق عليه معياركم الأول فقط فلن نصفه بأنه أديب إسلامي بل سنجعله شيخ الإسلام الأكبر … ” ويرد الدكتور وليد على ذلك بأن دعاة الأدب لم يشترطوا لأدبهم إلا الفنية والصدور عن تصور إسلامي، بل إن بعضهم لم يشترط حتى ” مسلمية ” الأديب .
أما رأيي الشخصي أنا فهو إني مع أهداف دعاة الأدب الإسلامي النبيلة و لست ضدها ، و لكني لا أحبذ استخدم المصطلح ” الأدب الإسلامي ” و أفضل بدلاً عنه استخدم مصطلح أدب الدعوة الإسلامية كغرض من أعراض الشعر أو الأدب بعموم ، ذلك أن مصطلح الأدب الإسلامي يطرح الكثير من التساؤلات الوجيهة التي عبر عنها د مرزوق ، و من أهمها في وجهة نظري أن من يسمع المصطلح من غير المتخصصين ربما يخطر في باله أن ما سوى هذا الأدب هو أدب غير إسلامي – بمفموم المخالفة و هو أن المسكوت عنه مخالف للمنطوق في الحكم – وهو ما عبر عنه الدكتور في الفقرة الثانية.
هامش : لا أدري لماذا هجرت كلمة ” مشكلة ” واتخذ المثقفون بدلاً منها كلمة ” إشكالية ” مع أنها تعبر عن نفس المعنى العام ، ولا أعلم لكلمة إشكالية معنى خاص يدعو لاستخدامها بدلاً عن كلمة مشكلة.
5 تعليقات على “إشكالية الأدب الإسلامي”
جزاك الله عنا كل خير على مجهودك الواضح
أسأل الله العلي العظيم أن يجعل هذا العمل في موازين حسناتك
بارك الله فيك ياعزيزي صالح ، وكثر الله من أمثالك..
أشكرك اخي صالح وبارك الله فيك
وأسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتك
بارك الله فيك ونفعك ونفع بك …
ولكن تبدو لي كلمة إشكالية بمعنى الاختلاف أوالتضاد في وجهات النظر وليست بمعنى مشكله وشكراَ .
عزام الماجد + طارق القرني + أحمد حدادي + النايفة
أهلاً و سهلاً بكم جميعًا ، نورتم المدونة (f)