التصنيفات
مشاهدات

ذاكرة الجسد بين الرواية والمسلسل

لا أحب المسلسلات العربية كثيرًا، ولكني حينما عرفت أن رواية ذاكرة الجسد للكاتبة الجزائية أحلام مستغانمي سوف تتحول إلى مسلسل من إنتاج تلفزيون أبو ظبي وإخراج المخرج السوري نجدت أنزور تحمست كثيرًا لمشاهدته، وخاصة بأني لم أقرأ الرواية من قبل رغم شهرتها الكاسحة – يقال بأنه تم بيع أكثر من مليوني نسخة منها -؛ لذلك استمعت بمشاهدة المسلسل بعيدًا عن هاجس المقارنة المزعج بين الرواية والمسلسل.

كُتب عن الرواية الكثير، ولن أضيف على ما كُتب، كما كُتب عن المسلسل كذلك، ولكن لدي بعض الملحوظات على ما كتب وأود مناقشتها، أهمها المقارنة بين المسلسل والرواية، وهو شيء طبيعي أعتدنا عليه عند كل رواية تتحول إلى فلم أو مسلسل، ولكن ما يزعجني حقا هو المقارنة بين الرواية والمسلسل مقارنةً غير منصفة، مقارنةً دون مراعاة الفارق بين الفنين، ودون الأخذ بعين الاعتبار الفوارق الأساسية بين الجنسين، الرواية والمسلسل.

 وكانت من نتيجة هذه المقارنة الغير منصفة القول بأن نص الرواية فقد الكثير من بريقه ورائحته وسحره بعد تحوله إلى عمل درامي مرئي، وأن كاتبة السيناريو ريم حنا فشلت في نقل حرارة النص و شاعريته، وهذا شيء طبيعي لا يمكن إنكاره لسبب عام هو أن النص المكتوب يقدم مجالاً واسعًا للخيال أكثر من الصورة المرئية بالعين، وأن ما كُتب ليقرأ مختلف عما كُتب ليمثل ويُشاهد، ولكلٍ تقنياته ووسائله وأدواته، وما يمكن استخدامه بتوسع وما يمكن استخدامه بحدود.

وهو طبيعي لسبب خاص هو أن لكاتبة السيناريو أسلوب مختلف عن أسلوب الروائية أحلام مستغانمي ، و لكن يكفي للمخرج نجدت أنزور شرف المحاولة على ما فيها من قصور ، حيث ما تزال التجارب العربية في تحويل الروايات إلى مسلسلات محدودة ، و يكفي للكاتبة السيناريو اجتهادها في مقاربة أسلوب أحلام ، و ذكائها في الاقتباس من نص الرواية مباشرة لتقليص الفارق بين الأسلوب الذي كتبته به الرواية و الأسلوب الذي كتب به المسلسل ، و لا أدري حقيقة لماذا لم تحاول أحلام أن تكتب السيناريو بنفسها .

ومن أعجب ما قيل أن استخدام اللغة العربية الفصيحة كان سببًا من الأسباب التي حالت دون نجاح المسلسل، لأن المشاهد العربي اعتاد المشاهدة بالعامية وأن من يقرأ أقل بعشرات الأضعاف ممن يشاهد، نعم اعتدنا أن نشاهد بالعامية وأن القراء أقل من المشاهدين، ولكن هذا لا يعني أن استخدام الفصيحة في أي مسلسل عربي سبب في ضعفه  – مع تحفظي على كثير من الأخطاء اللغوية في ذاكرة الجسد – لأن هناك أعمال تلفزيونية استخدمت فيها اللغة العربية الفصيحة و لقيت نجاحًا كبيرًا وبقيت في أذهان المشاهدين العرب لسنوات عديدة، مثل بعض المسلسلات اللبنانية والعراقية القديمة، والكرتونية المدبلجة .

ولكن لنفترض جدلاً بأن ذلك صحيح ، هل يعني ذلك أن نترك استخدام اللغة العربية الفصيحة ؟ و من العجيب أن يتناقض أصحاب هذا الرأي مع أنفسهم و يردوا على أنفسهم ، حينما يقولون بأن هناك مبرر لاستخدام العربية الفصيحة و هو أن اللهجة الجزائرية صعبة الاستيعاب في المشرق العربي فهي ليست لغة دراما واسعة الانتشار .

أيضا تم انتقاد المسلسل واتهامه بتمطيط الأحداث مما حال دون التسارع المطلوب في الدراما التلفزيونية، وفي ذلك شيء من الصحة حيث لا يمكن أن ننكر الأثر السلبي في السعي للربح المادي في أنتاج المسلسلات، وبخاصة ما يعرض في رمضان حيث تتسابق القنوات إلى شراء أكبر عدد من المسلسلات و الحصول على أكبر نسب في المشاهدة .

وهناك من ينتقد اختيار الممثلة آمال بوشوشة لدور البطولة لأنها قليلة الخبرة، وأظن أن هذا غير هام أدائها لم يكن سيئا، وإن كان للروائية أحلام دور في اختيار الممثلين فربما نلتمس في اختيارها لبنت بلدها أنها أرادت أن تقدم لها فرصة ذهيبة تزيد من نجوميتها، وخاصة أن أغلب الممثلين غير جزائريين، أما بقية الممثلين فأعتقد بأن الاختيارات موفقة.

انتهى المسلسل بمشهد فيه شيء من الغرابة التي تبعث على التفكير، حيث سلم البطل “جمال سليمان” رواية ذاكرة الجسد إلى الروائية أحلام مستغانمي، فماذا تريد أن تقول أحلام لنا؟ أن هناك رجل كتب لها الرواية؟ أم أن رجل ألهمها كتابة هذه الرواية؟ ما رأيكم أنتم ؟.

بقي أن أشير إلى نقطة هامة و هي أن مسلسل ذاكرة الجسد للكبار ، و لا تصلح مشاهدته مع الأطفال ، و بخاصة المشاهد المصورة في باريس .

فاصلة :

على الغلاف الخارجي الخلفي لرواية ذاكرة الجسد كتب الشاعر الشهير نزار قباني بخط يده رأيه في الرواية ، صحيح أن نزار ليس ناقدا روائيًا ، و لكني أعتقد أنه كان بارعًا في اختزال الرواية عندما تحدث عنها ؛ لأنه شاعر ، و هذه صنعته ، كما أعتقد بأن كلامه هذا في رواية أحلام مهم ؛ لأنه شاعر له أسلوبه المميز في الشعر بالتأكيد و عندما يقول بأن هذه الرواية تشبهه فإننا نتساءل : هل يمكن أن ينتقل تأثير نزار في الشعراء من الشعراء إلى الروائيين ، و بالتالي من الشعر إلى الرواية ؟

هامش :

أتهم المخرج السوري للأسف قبل أيام القنوات السعودية بأنها تدعم الإرهاب لأنها لم تشتري أحد مسلسلاته !!، و أن هناك قائمة ممنوعات سعودية تطبقها القنوات العربية !!، فإما أن يثبت ذلك، وإما أن يعتذر عن هذه التهمة الخطيرة.

بواسطة صالح الهزاع

مدون سعودي

10 تعليقات على “ذاكرة الجسد بين الرواية والمسلسل”

نفرح دائماً حينما نرى مثل هذه المسلسلات ربما لأنها تبعث فينا الأمل من

جديد على مستقبل اللغة الفصحى لغة الدين والحضارة ، على الرغم من

أن كثير العوام لايفضلون مثل هذه في حياتهم لشدة تأثير العامية لديهم .

الحقيقة هذا المسلسل فرض نفسه على المشاهد قبل عرضه بمدة , لكن لم يستطع أن يحافظ على مكانته تلك مع بداية الحلقات الأولى , بالرغم من أنني كنت متحمسة جداً لمشاهدته إلا أنني شعرت بالملل مع الزحف البطيء للأحداث وفتور الحوار , علاوة على البطلة -خريجة الأكاديمية- لم أستطع الحفاظ على رغبتي في المتابعة..! وبالفعل في حلقات المسلسل الأولى ضجت الصحف على المسلسل والرواية معاً ,بل البعض قال أن “مستغانمي” لم ترضَ عن المسلسل مطلقاً , إذن كيف المشاهد ..؟!
للأسف بالرغم من أن فرصة نجاح المسلسل كبيرة ,لخلو الشاشة من الدراما الحقيقة – إذا استثنينا زوارة خميس (بشكل عام) – إلا أننا خُذلنا مشاهدين , ونقاد , وصحافة , وكتّاب..!
~~~
أما مسلسل “ماملكت أيمانكم ” لنجدة أنزور وماقاله من خرافات , أعتقد أن الأمر كله لإثارة الضجة الإعلامية لشهرة مسلسله الغريب.. لا أقل ولا أكثر ,أسلوب رخيص جداً ..!

أعجبني مقالك أستاذ صالح,
..
قرأت الروايه, أعجبتني لكن ليس كروايه بل “فلسفه مشاعر ” أحلاام
ولكن الروايه نفسها أو المسلسل نفسه
يحكي قصه رجل في الخمسينات يقع في حب أنثى في العشرينات:؟ !!!!!!
لكن هذا ما قالته أحلام مستغانمي في كتابها “نسيان. كوم ”
أن الفتيات العربيات يقعون في حب رجال يكبرونهم بعقود :D!
لكن تظل أحلام هي أحلام (f)
وتظل أنت كما أنت. . أشكرك (f) (f)

قرأت تحليلك أستاذنا الكريم والمعذرة على عد التعليق لأن بضاعتي مزجاة

وفقك الله وبارك فيك

السلام عليكم ..اعجبني فعلا تحليلك للمسلسل بالرغم ان لم اشاهده

سيد الفاضل انا كاتبه (في بداياتي) ولدي مدونه واحتاج لدعمكم حيث ان لم اعرض

على اي كاتب بعض ماكتبته ..

امنى دعمكم ..وشكرا..

أبا زياد..
رواية تقوم على أساس اللغة الشاعرية, والوصفية من الصعب تحويلها إلى مسلسل أو فلم , فالكاميرا حينما تنقل صورة البيت فهي بثانيتن تفعل ذلك, بينما الروائي يقوم بوصف يستغرق أكثر من صفحة !
وهذا ما يجعلها قصيرة على السيناريو المعمول مما يضطر المخرج والسينارست للتعديل وإدخال الكثير من العقد الجانبية والحوارات, وهو ما لا يرضي الروائي, لذلك نجد في الحلقة الأولى يكثر الحديث وووو لأن أحلام مستغانمي -كما أعرف – اشترطت عدم التغيير !

ثلاثية جميلة تستحق القراءة أبا زياد

وصف جميل جدا وتعبير رائع بس انا اقول ان متعة القراءة غير متعة المشاهده ومثل ماقلت ان النص المكتوب يفتح المجال في ابداع الخيال له والتعبير عنه وشكرا (f)

تجاوزاً لـِ كلّ ما قيل وسَ يقال
أكادُ أجزمُ بِ أنّ من قام بِ إخراج ذاكرة الجسد-المسلسل
لا علاقة لهُ بِ مُخرج:- البواسل او الكواسر او الجوارح ../!

نجدة انزور -مع احترامي الشديد له- قد شوّه الكثير من توقّعاتنا لِ الرواية المُسلسلة..
وأفقدها سِحرٌ كانَ يستوطنها -للأسف- منذ صدورها حتى اليوم وإلى الغدِ كما أظنّ !!

الحبّ في زمنِ الكوليرا – روايةٌ آسرة ..
وإخراجُ الفيلم اضاف للشغفِ شغف !

تحايا بيضاء
دانا

أهلا وسهلا أبا زياد . هذه زيارتي الأولى فأهنئك على هذه المدونة الرائعة .

ذكرت في مقالك عن المقارنة . فأقول إن العمل هو في الحقيقة عمل نصي أكثر منه درامي حقيقي, وبرأيي أن المقارنة حاصلة أولا حين كتب على شارة المسلسل (ذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي ) ولم يكن مجرد لقط جينات الرواية فحسب .
لايختلف اثنان باختلاف الفنين لكن ظل النص هو النص فمقاربته ستكون مقارنة , والمقارنة لم تكن بين الفنين بقدر ماكانت بين النصين كلغة ولم تكن بين الوصفين اللغة والكاميرا , وهذا ما أضعف المسلسل لأن الرواية وصفية بلغة أدبية والمسلسل أخذ اللغة مقتضبة فحسب ولم يحتج إلى اللغة الوصفية فحينها كان يجب ألا تكون الرواية هي ذاتها المسلسل بقدر ما تكون الرواية هي أصل الفكرة وعليها البنيان ,وخصوصا أن الكاتبة ريم عملاقة في السيناريو ستضع من كل نص أدبي خطا دراميا سيخلق – مع إبداع نجدت – عملا سيكون استثنائيا . وهذا عائد لأمرين يتقاطعان :
الإصرار على 30 حلقة , وجهل أحلام بعالم الدراما فأحلام تصر على عدم إعطاء ريم الضوء الأخضر بالتعامل مع النص تعاملا دراميا , والمنتجون أصروا على 30 حلقة , ولولا العملاقة ريم لحصلت كارثة فوق ما رأيناه .
ولو كان رفضك للمقارنة في مسلسل ( أسعد الوراق ) بطولة تيم حسن ؛ لكان في محله ؛ فإن المسلسل مستوحى من رواية ( الله والفقر ) لصدقي إسماعيل .
ولهذا أقول إنه يجب أن تكون الروايات منبع لتوقد ذهن السينارست وليست مقيدة لحركته ولإبداعه , بل يجب أن تكون الرواية شيئا مفصولا بتخيلاتها , بشخوصها بأماكنها بأزمانها , وأن يولد السينارست منها عملا آخر . فإن العمل الدرامي الذي أصله رواية يجب أن يقلب هذا العمل ويخرجه من عباءته اللغوية إلى عباءة فنّية درامية ، ويتم تجريده من أدواته ووضعهِ في اطار سردي يناسب الصورة في فن الدراما لا الصورة في فن الرواية .
أما الآن فقد فقد خالد بن طوبال كل التخيلات التي كانت في أذهان النقاد والمبدعين من القراء ورسم للرواية خطا أفقد متعته الأولى . بل قد أفسد المتعة الذهنية للقاء خالد بزياد .

أما اختيار أمل بوشوشة فهو مكسب حقيقي لهذا العمل ويحسب لنجدة إظهارها إذ قد قدمت من (حياة) حياةً داخل تلك الذاكرة الممتدة التي ينصب عليها تحركات كل الشخوص داخل العمل , وهذا من المفارقات كذلك التي أضعفت العمل , فلو كان الانتاج قبل عشر سنوات لكان العمل مقبولا إذ سيتغير العرض , وسيختلف النقد كثيرا , وهذا موضوع آخر يطول .

أما فيما يتعلق بتسليم الرواية لأحلام فمستبعد أن تكون الإجابة هي قولك الأول , أما قولك الثاني فيحتمل وخصوصا أن البطل وعماد الرواية رجل . لكن أحب أن أضيف أن هذه التسليم إنما كان لإعلان أن الرواية هي المسلسل , والمسلسل هو الرواية ؛ فقد ظهر الخلاف بين أحلام وعاملي المسلسل بسبب بعض الإضافات التي أنقذت ما يمكن إنقاذه .

تحياتي إليك .

ما أعجبني حقا هو درو زياد
جاء كنسمة عطرة على مشاهد المسلسل
حيث أراحنا من ذلك الكلام البطيء، أما الرواية فأنت تغوص معها من أول كلمة إلى آخرها
مبدعة هي أحلام
وروايتها تستحق أن تصنع فيلما سينمائا ضخما

أكتب تعليقك

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: