التصنيفات
خواطر ومقالات

مقارنة بين القصيبي والمتنبي!

قارن الأستاذ إبراهيم البليهي بين القصيبي والمتنبي رحمهما الله في لقاء تلفزيوني تحدثت عنه جريدة الجزيرة تحت عنوان لافت مقتبس من كلام البليهي نصه : ” قارنوه بالمتنبي وستجدون الفرق لصالحه ” يعني الشاعر غازي القصيبي ، وأسباب هذا التفضيل من وجه نظره كالتالي :

1 – ” فالمتنبي يصنع القصيدة صناعة، إنه كالنحَّات لذلك يستخدم أحياناً ألفاظاً غليظة خشنة لاتُناسب اللغة الشعرية وتحسُّ وأنت تقرأ بعض قصائد المتنبي بأنها مصنوعة بتكلُّف وجهدٍ مُرهق وليست تدفُّقاً تلقائيًّا بعكس قصائد القصيبي التي تلامس شغاف قلبك وتنفذ إلى أعماق نفسك وتُشعرك أنها تدفُّقٌ تلقائي ، ومع أن أي إبداع لا يأتي إلا بعد اهتمام قوي مستغرق فإن إبداعات القصيبي تظهر وكأنها خالية من الصناعة والتكلف وزاخرة بالعذوبة والحيوية والتلقائية… “.

  2 – ” إن طول المسافة الزمنية هو الذي يخلق المهابة، فالمتنبي تفصلنا عنه قرونٌ عديدة وقد أضْفَتْ عليه هذه القرون طبقاتٍ من الهالات والمهابة والتقدير الذي يكاد يبلغ حدَّ التقديس، إنه جزءٌ من التراث الذي نقف أمامه مبهورين مستسلمين من غير أي تساؤل أو تمحيص، ثم إن المتنبي رغم أنه رجلٌ فذٌّ وشاعر عظيم وفيلسوف عميق الرؤية إلا أن إبداعه كان في الشعر فقط فقد أمضى عمره شاعراً دون أن ينشغل بأمور أخرى تستنزف طاقته وتستغرق وقته، أما القصيبي فإنه قد أبدع في مجالات عديدة ولم يشغل الشعر سوى جزء من وقته واهتمامه وطاقته لكن المعاصَرة سلبَتْه بعض هالاته ولكن الأجيال اللاحقة سوف تدرك أهميته فتُقيَّم إبداعاته بموضوعية أو ربما باحترام زائد يفرضه فارق الزمن بعيداً عن تحاسد المتعاصرين أو تنافسهم أو الاحتكاك المباشر الذي يُشعر بالتماثل ويُخفي المزايا ولا يسمح بوجود الهالات الإبداعية… “

و أقول تعليقًا على النقطة الأولى بأن زمن المتنبي [ 303 – 354 هـ ] مختلف عن زمن القصيبي [ 1359 – 1431هـ ] ، ولغة الناس عامة ولغة الشعر خاصة في الزمنين مختلفة أيضًا ، ومن الخطأ أن نجعل لغة اليوم مقياسًا ومعيارًا في المفاضلة بين الشاعرين ، والصواب أن نحاكم الفاظ المتنبي ولغته بلغة أهل زمانه، وأن نحاكم ألفاظ ولغة القصيبي بلغة أهل زمانه، ثم ننظر من الأكثر تكلفا وصناعة ؟ ومن الأكثر عذوبة وحيوية وتلقائية !!

أما تعليقي على النقطة الثانية فهو أن هالة ومهابة وتقدير المتنبي ليست وليدة اليوم حتى نربطها بانبهار الناس واستسلامهم للتراث ولكل ما له علاقة به، بل لقد ملأ المتنبي الدنيا في زمانه وشغل الناس كما قال ابن رشيق القيرواني [ 390 – 456 هـ ] في العمدة وما يزال، وكتب عنه وعن شعره جمهرة من النقاد قديما وحديثا، حتى إن في مقارنة البليهي اليوم شعر القصيبي بشعر المتنبي اعتراف وإقرار ضمني بأن شعر المتنبي قد أصبح المثال الذي يقارن به شعر كل شاعر متميز في كل العصور حتى وإن كان بينه و بين المتنبي ألف عام !!.

أما رد البليهي سبب براعة المتنبي في الشعر إلى أن المتنبي أمضى عمره شاعرًا ولم ينشغل بأمور أخرى تستنزف طاقته وتستغرق وقته بينما كان إبداع القصيبي في مجالات عدة فعجيب؛ لأن الشعر ليس وظيفةً تحتاج إلى تفرغ كلي أو جزئي، ولا يحتاج إلى وقت إضافي على الوقت الذي تقال فيه القصيدة أو تكتب ساعة تولد، وكل من يكتب الشعر الحقيقي يعلم أن الشعر يحضر ساعة يشاء دون استدعاء، وأنه يفرض نفسه حين يحضر فلا يستطيع الشاعر تجاهله مهما كان مشغولا عنه.

وحينما سُئل القصيبي عن التفرغ للأدب حتى تستثمر طاقته الإبداعية استثمارا أكبر كان رده على ذلك بأن مسألة التفرغ تُحمَّل أكثر مما تحتمل، وأن الموهبة الشعرية ليست “دوامًا ” من الثامنة إلى الثانية يمكن أن يتعارض من الدوام الرسمي، فكثير من الذين تفرغوا للعمل الأدبي لم ينتجوا شيئًا يذكر بعد تفرغهم، وكثير من الإنتاج الأدبي الرائع كان من صنع أدباء غير متفرغين. [ سيرة شعرية ، الجزء الثاني ، ص 104 ]

كما لا يمكن أن نقول إن المتنبي قد تفرغ للشعر، فإن كل من قرأ سيرة المتنبي وشعره عرف أن لديه طموحات في مجال آخر غير مجال الشعر، وأنه بذل طاقته ووقته لطموحاته ولكن الحظ لم يبتسم له.

أما قوله عن شعر القصيبي بأن المعاصَرة سلبته هيبته فربما يصدق على آي شاعر آخر إلا القصيبي، لأن الجميع يعلم بأن القصيبي قد عاش حياة مجيدة حافلة بالتنقل بين الوظائف الحكومية المرموقة، والنجاحات العملية المتوالية، بالإضافة إلى أعماله الأدبية الشعرية والنثرية، مما أكسبه جاذبية وشهرة عند العامة والخاصة دون غيره من الأدباء، ولا شك أن ذلك كان من صالحه في حياته، وفي المقابل سيكون تجريده من هذه الجاذبية والشهرة بعد مماته بأجيال ليس من صالحه، و لكن الحكم الموضوعي على أدبه  يقتضي ذلك.

وأنا أستغرب من البليهي حينما يرى بأن فارق الزمن قد أثر سلبًا في الحكم على شعر المتنبي، ثم يراه عاملا إيجابيًا في الحكم على شعر القصيبي !!

وختاما أقول : رحم الله غازي القصيبي فقد كان أعلم الناس بنفسه، و قد صنف نفسه بأنه شاعر من الدرجة الثالثة [ سيرته شعرية ، الجزء الأول ] وأره محقًا و منصفًا ، ولو علم رحمه الله بأن هناك من يقارنه بالمتنبي لظنه متهكمًا به وبشعره ، لاسيما وأنه من المؤمنين بعظمة المتنبي، ويرى بأن سرها هو استطاعة المتنبي أن ينقل التجربة النفسية الشخصية بحيث تصبح سبرًا لأغوار السلوك البشري بطريقة فنية فذة على نحو استعصى على كثير من الشعراء. [ سيرة شعرية ، الجزء الثاني ، ص 105]

بواسطة صالح الهزاع

مدون سعودي

9 تعليقات على “مقارنة بين القصيبي والمتنبي!”

محاولة غريبة وجريئة ” مقارنة غازي بالمتنبي “..!
لكن ربما يكون فيها جانب ولو “يسير” من المنطق والصحة ..!
فإن هالة التقدير التي كانت للمتنبي لم تكن وليدة كرور العصور, بل كانت من صلب عصره , لارتباط الأدب ” والأديب ” -على وجه أخص- بالسياسة والخلفاء , والحراك الثقافي والاجتماعي آنذاك يمجد الأدب بل يكاد يكون شغله الشاغل بجانب السياسة..! بعكس زمننا هذا خاصة في مجتمع “سعودي” ظهر فيه القصيبي رحمه الله ..
ولايسعنا القول إلا أن كلاهما مبدع في زمانه , ولا نستطيع الحكم قطعاً إلا إذا اجتمعا في عصر واحد , تحت ظروف متشابهة..!

# مايحيرني حقاً هو كيف تجرأ البليهي على أمراً يكاد يكون قطعاً .. أهو مجاراة لمسلسل الفتاوى الغريبة مؤخراً؟! 🙁
بوركت ..!

اولاً اقول لك من العايدين وكل عام وانت بخير

ام من ناحية المقارنه فانا ارى ان لكل دولة رجال

فإن كان المتنبي تلك الفترة هو رجل الشعر الاول في زمانه

فإن غازي القصيبي رحمة الله هو ايضا رجل الشعر الاول في هذا الزمان وبلا منازع

ولا يحتلف على شعره الا جاهل

فهو رجل دولة وشعر ولن يتكرر مثل هذا الرجل في هذا الزمان ابداً

رجل اخلص لدولة وقدم لها الشي الكثير ولو ان غازي القصيبي كان متفرغ لشعر مثل المتنبي في ذلك الزمان لفاق غازي جميع الشعراء

تقبل مروري

😀

برأيي أن البليهي خاض في فنٍ لا يتقنه. فالقصبيي نفسه لو علم هذه المقارنة من البليهي لازدراه

عموماً ردك كان جميل

أبو محمد شكلك مندفع

هدئ السرعة شوي وخلا عنك كلام الجرايد والإعلام وإذا كنت ناقداً وأديباً حكم عقلك

القصيبي شاعر لكن ليس أحسن شاعر في التاريخ ولا في العالم ومن يقول ذلك فإنه لا يفقه شيئاً

نزار قباني ليس ببعيد عنا يعد أفضل من القصيبي وبمراحل

تحياتي لك

طابت أوقاتكم ..

وكما هي المقولة الشائعة” لكل زمان دولة ورجال” أرى أن من غير المنصف مقارنة شاعرين تفصلهما كل هذه المسافة الزمنية والإتجاة الفكري..

وقد أدرك أبو يارا عظم عبقرية المتنبي ومن هنا كانت الاستشهادات التي تطفح بها رواية العصفورية..

شكرا لك

(f) (f) (f)

البليهي
اعتدنا منه هذه القطعيات وهذه التهويشات ..
فالأمة العربية لم تخرج مبدعاً , وليس له فكر ولا ثقافة ولا حضارة , وهي عالة على الرومان والغرب ووو..
مسائل الفكر لا يوجد فيها شيء قطعي , ولكن البليهي تأثر من عمله في البلدية حيث يقطع في كل أمر …

السلام عليكم

ابو علي انا مو مندفع زي ما تقول

بعدين ماقلت انه افضل شاعر في العالم زي ماتقول

انا قلت انه افضل شاعر في هذا الزمان فقط

تقبل مروري

السلام عليكم..

أتوقع أن الموضوع قديم بعض الشيء فأحببت أن أشارككم..

أعتقد أن البليهي كان يقصد الفصاحة الشعرية فغازي القصيبي نشء في عصر العامية وأما المتنبي فنشء في عصر الفصاحة
المتنبي لو قارنتموه بالفصاحة ليس الأفضل ولكن ما دعمه هي الحكمة التي يتفوهها
بلا منازع إن قارنتم بأفضل الشعراء في التاريخ ستكون الإجابة لصالح أبا نواس و بشار بن برد في العصر العباسي وجرير ويزيد بن معاوية في العصر الاموي وأمرؤ القيس وزهير ابن ابي سلمى وطرفة بن العبد في العصر الجاهلي.
فإن كان القصد لنقض المقارنة هو أن المتنبي أفصح وأعلم شعراً من القصيبي ستكون الإجابة خاطئة ,لأن المهلهل الذي يعتقد بأنه مقيد الشعر ومخترعه لم يصل لدرجة امرؤ القيس و زهير و طرفة في الشعر
كما أن مقارنة القصيبي بالمتنبي قد تكون غير منطقية لدى العوام ولا أقصد الإهانه لأن الذي يرد عليه ناقد بمستوى كبير مثل الغذامي مع السماح لنا بتعبير الأراء
أعتقد لو قارن القصيبي بأبو القاسم الشابي أو احمد شوقي لكان القصيبي قد فاقهم غزاره لأن تركيز شوقي في المدح وابو القاسم في الطبيعة وأما عن نزار قباني فنزار قباني شاعر فحل ولكن لا يجب علينا أن ننفخه بمستوى أعلى من مستواه حتى لو أطلعت على شعره فشعره مليئ بتبجيل النساء وماذا بعد من ذلك…!
أعتقد بأن نزار كان يسعى بلقب شاعر المرأه لأنه وجد بأن الشعراء السابقين لم يلقبوا بهذا اللقب
ما أود أن أقوله هو أن لو كان غازي القصيبي من جنسية مصرية أو سوريه لرأيت التعظيم في شخصه لأنهم يعرفون من هو الشاعر أما في السعودية وللأسف الشديد هو أننا لا نلتفت للشعراء لأن الحسد منتشر بيننا ومن المعلوم والذي لا يجهله الأدباء هو أن غازي لم يعطى حقه كم هو حال الشاعر محمد الثبيتي رحمه الله
وبالإختصار غازي القصيبي يذكرني بالشاعر المرحوم محمد بن عبدالله بن عثيمين الذي كان لها باع وصيت في العالم العربي والذي كان منافساً لأحمد شوقي في مصر.

تقبلوني

اكاد اقسم انه لا يحب القصيبي احد بعد ابنائه مثلي
ولكن المقارنة صعبة جداً
صحيح ان شعر القصيبي سهل سلسل عذب
وشعر المتنبي متكلف
ولكننا نحن الذين نراه تكلفاً بسبب عاميتنا اما اهل زمانه فكانو يفهمونه ويحفظونه بسهولة مثلما نحفظ نحن شعر القصيبي

رحم الله القصيبي فهو فريد زمانه
ووالله لن يتكرر الا ان يشاء الله
وبغض النظر عن عبقريته فهو أتى في ظروف خدمته
وهذه الظروف لن تتكرر ابداً وهذه العبقرية لن تتكرر أبداً

أكتب تعليقك

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: