التصنيفات
كتب وقراءات

الشعر والشعراء لابن قتيبة

عن المؤلف :

قال عنه ابن نديم في الفهرست : ” ابن قتيبة : أبو محمد، عبد الله بن مسلم بن قتيبة الكوفي، مولده بها، وإنما سُمي الدينوري لأنه قاضي الدينور، وكان ابن قتيبة يغلو في البصريين، إلا أنه خلط المذهبين، وحكى مذهبه عن الكوفيين، وكان صادقًا فيما يرويه، عالمًا باللغة، والنحو، وغريب القرآن ومعانيه، والشعر، والفقه، كثير التصنيف  التأليف، وكتبه بالجبل مرغوب فيها، ومولده في مستهل رجب، وتوفي سنة سبعين ومائتين ” المكتبة التجارية، ط 1348هـ، ص 115 – 116.

وقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب ” تفسير سورة الإخلاص ” : ” .. ، و هذا القول اختيار كثير من أهل السنة ، منهم ابن قتيبة ، و أبو سليمان الدمشقي ، و غيرهما . و ابن قتيبة من المنتسبين إلى أحمد و إسحق ، و المنتصرين لمذاهب السنة المشهورة ، و له في ذلك مصنفات متعددة …، و كان أهل المغرب يعظمونه و يقولون : من استجاز الوقيعة في ابن قتيبة يتهم بالذندقة ، و يقولون : كل بيت ليس فيه من تصنيفه لا خير فيه . قلت : و يقال : هو لأهل السنة مثل الجاحظ للمعتزلة ، فإنه خطيب السنة ، كما أن الجاحظ خطيب المعتزلة ” ص 120 – 121.

ورجح ابن كثير وابن خلكان أن تكون وفاته سنة 276هـ.

عن المحقق :

أحمد محمد شاكر [ 1309 – 1377هـ ] المحدث الفقيه الأديب الناقد المحقق الشهير، قال في مقدمة تحقيقه : ” واعتمدت في تحقيق الكتاب على طبعة ليدن سنة 1902، … ومطبوعة ليدن التي اعتمدناها حققها المستشرق ” دي غويه ” ، و كتب لها مقدمة جيدة، وأثبت في هوامشها اختلاف النسخ المخطوطة التي وقعت له و اعتمد عليها في طبعته، …، والمستشرق دي غوية كما يبدو لي من عمله في الكتاب من أواسط المستشرقين، وليس من عليائهم … ، فإنه حقق الكتاب تحقيقًا لا بأس به، ولكنه أخطأ في مواضع ليست بالقليلة، نبهت إلى كثير منها في مواضعها، وأعرضت عن بعضها … وقد وضع دي غويه للكتاب فهرسين للأعلام والأماكن فقط، لم يخلو من خطأ وقصور … فرأيت أن أتدارك ذلك كله، فأحقق الكتاب تحقيقًا أقرب للصواب، بتخير أصح النسخ التي أشار إليها المستشرق … ولم أثبت كل الاختلاف بين النسخ المخطوطة التي كانت بين يديّ دي غويه إذ لم تكن بين يدي، ولم يكن من الميسور في هذه الظروف التي تنشر فيها الكتاب أن نحصل عليها ” ص 40 – 41.

وقد انتقده المحقق السيد صقر على ذلك ، كما انتقده على حذف الاختلافات بين النسخ التي أثبتها دي غوية في تحقيقه ، بالإضافة إلى انتقاده أخطاء في الشكل و الضبط ، و أخطاء تصحيفيه، وذكر أمثلة على ذلك في مقالين أدرجهما أحمد شاكر في الكتاب و علق عليهما، فأما عدم الرجوع إلى جميع المخطوطات فلأنه يرى أن ذلك لا يلزم ، و لأنه لم يرجع إليها فلا يمكن أن يثبت الاختلافات بينها كما فعل دي غوية ، و أما أخطاء الشكل و الضبط و التصحيف فيرى أحمد شاكر أن كلام السيد صقر فيها دون دليل مرحج أو مقنع أو مصدر معتمد ، بالإضافة إلى اختلاف اختلاف روايات الأشعار.

يقول المحقق أحمد شاكر : ” و قد وفق الله أخانا الأستاذ محمد أفندي الحلبي صاحب دار إحياء الكتب بمصر لاختيار نشر هذا الكتاب فعهد إلي أن أحققه و أشرحه ” ص 39 . [ النسخة التي بين يدي من نشر دار الحديث دون تاريخ نشر أو طباعة ]

عن الكتاب :

الكتاب مكون من جزءين في مجلدين ، و هو من مصادر الأدب الأولى التي وصلتنا ، و يضم مقدمة نقدية ، و تراجم لمجموعة من الشعراء المشهورين الذين يحتج بشعرهم ، و سوف أتحدث عن أهم القضايا النقدية الوارد في المقدمة ، و عن منهج ابن قتيبة في الترجمة للشعراء على النحو التالي :

أولاً / أهم القضايا النقدية في مقدمة كتاب الشعر و الشعراء :

1 – قضية القديم و الحديث :

يقول ابن قتيبة في مقدمته بعد حديثه عن معياره النقدي في اختيار الشعراء الذين سوف يترجم لهم : ”   فإني رأيت من علمائنا من يستجيد الشعر السخيف لتقدم قائله ، و يجعله في متخيره ، و يردل الشعر الرصين ، و لا عيب عنده إلا أنه قيل في زمانه ، أو أنه رأى قائله ” ص 64.

كانت هذه النظرة شائعة في عصر ابن سلام و ابن قتيبة ، إلا أن ابن قتيبة – و هو عالم شرعي و قاضي دينور – حاول التوسط و نصب نفسه حكمًا بين المتقدمين و المتأخرين، ويرد على من يتعصب للقديم بحجة عقلية منطقية فيقول : ” ولم يقصر الله العلم و الشعر والبلاغة على زمن دون زمن، ولا خصَّ به قومًا دون قوم، بل جعل ذلك مشتركًا مقسومًا بين عباده في كل دهر ، و جعل كل قديم حديثًا في عصره ، وكل شرف خارجية في أوله، فقد كان جرير والفرزدق والأخطل وأمثالهم يعدون محدثين. وكان أبو عمرو بن العلاء يقول : لقد كثر هذا المحدث و حسن حتى لقد هممت بروايته. ثم صار هؤلاء قدماء عندنا ببعد العهد منهم ، و كذلك يكون من بعدهم لمن بعدنا كالخزيمي والعتَّابي والحسن بن هانئ وأشباههم ” ص 64.

وهذه النظرة الضيقة المتحيزة التي انتقدها ابن قتيبة في ذلك الزمن المتقدم ما تزال موجودة حتى اليوم للأسف ، و كأن ابن قتيبة حينما قال كلامه الآنف و ضرب الأمثلة في آخره لا يرد على أهل زمانه ممن ينظرون كذلك فقط ، و إنما يرد على من يرى رأيهم و ينظر نظرتهم في الأزمنة اللاحقة .

2 – قضية اللفظ و المعنى :

يقول ابن قتيبة في مقدمته : ” تدبرت الشعر فوجدته أربعة أضرب : ضرب منه حسن لفظه وجاد معناه … ، و ضرب منه حسن لفظه و حلا ، فإذا أنت فتشته لم تجد هناك فائدة في المعنى … ، و ضرب منه جاد معناه و قصرت ألفاظه عنه … ، و ضرب منه تأخر معناه وتأخر لفظه ” ص 69.

وهو إذ يقسم الشعر إلى أربعة أضرب يذكر الأمثلة و الشواهد على تقسيمه هذا الذي يتضح من خلاله اهتمام ابن قتيبة بقضية ” اللفظ و المعنى ” التي تحدث عنها الجاحظ قبل ابن قتيبة ، و تحدث عنها آخرون بعد ابن قتيبة ، و ما تزال حتى اليوم تشغل النقاد و إن تغيرت أسمائها فقالوا : ” الشكل و المضمون ” أو ” الإطار و المحتوى ” أو ” الرؤية و الفن ” .

ويبدو من كلام ابن قتيبة حول هذه القضية أنه يفضل المعنى على اللفظ و إن ساوى بينهما ظاهريًا ، و أنه لا يقصد باللفظ الكلمة الواحدة ، و إنما يقصد الصياغة و الأسلوب و السبك.

وهناك من يرى أن معيار ابن قتيبة في المفاضلة بين المعاني هو القيمة الأخلاقية وليس البراعة في التصوير ، و لكن ذلك غير صحيح بدليل أن ابن قتيبة في ترجمته لأبي نواس تحدث عن براعته في وصف الخمر و كؤوسها .

وقد تحدث ابن قتيبة عند التمثيل على الضرب الأخير ” تأخر لفظه و معناه ” عن قضية ” الطبع و التكلف و الصنعة ” و هي قضية أخرى نشير إليها مستقلة .

3 – قضية الموهبة الشعرية :

يقول ابن قتيبة في مقدمته بعد أن ذكر أبياتًا للخليل بن أحمد : ” و هذا الشعر بيِّن التكلف ردئ الصنعة . و كذلك أشعار العلماء ، ليس فيها شيء جاء عن إسماح و سهولة ، كشعر الأصمعي ، و شعر ابن المقفع ، و شعر الخليل ، خلا خلف الأحمر ، فإنه كان أجودهم طبعًا و أكثرهم شعرًا ” ص 71.

ويقول في موضع آخر : ” و من الشعراء المتكلف و المطبوع : فالمتكلف هو الذي قوم شعره بالثقاف ، و نقحه بطول التفتيش ، و أعاد النظر فيه بعد النظر ، كزهير والحطيئة . وكان الأصمعي يقول : زهير و الحطيئة و أشباههما من الشعراء عبيد الشعر؛ لأنهم نقحوه و لم يذهبوا مذهب المطبوعين . و كان الحطيئة يقول : خير الشعر الحولي المنقح المحكك . و كان زهير يسمي كُبر قصائده الحوليات ” ص 78.

وفي موضع آخر : ” و المطبوع من الشعراء من سمح بالشعر و اقتدر على القوافي ، و أراك في صدر بيته عجزه ، و في فاتحته قافيته ، و تبينت على شعره رونق الطبع و وشي الغريزة ، و إذا امتحن لم يتلعثم ، و لم يتزحر ” ص 91.

وهي قضية تناولها النقاد القدماء قبل و بعد ابن قتيبة و إن اختلفت تسمياتهم ، فالأصمعي يتحدث عن ” المطبوعين ” و عن ” عبيد الشعر ” و ابن سلام يتحدث عن ” القريحة ” و بشر بن المعتمر عن ” عرق الصناعة ” و الجاحظ عن ” الطبع ” و ” الغزيزة ” و القاضي الجرجاني عن ” الطبع ” و ابن سنان الخفاجي عن ” الطبع ” أو ” الآلة ” و ابن خلدون عن ” الملكة ” ، و كل هذه الأسماء تشير على نحو ما إلى الموهبة اللازمة للإبداع الفني ، و الاستعداد الفطري له.

وعند تصفحنا لترجمات الشعراء في كتاب ابن قتيبة نراه حرصًا على الحديث عن موهبة الشاعر و تحديد نوعيتها .

وإذا كان ابن سلام قد تنبه إلى تميز شعراء في أغراض معينة فخص أصحاب المراثي بطبقة ، فقد جاء ابن قتيبة ليوضح ذلك أكثر و يبسط القول فيه ، حيث يقول : ” و الشعراء أيضًا في الطبع مختلفون : منهم من يسهل عليه المديح و يعسر عليه الهجاء . و منهم من يتيسر له المراثي و يتعذر عليه الغزل ” ص 94.

4 – قضية التقليد و الاحتذاء :

يقول ابن قتيبة في مقدمته بعدما تحدث عن بنية القصيدة الجاهلية : ” فالشاعر المجيد من سلك هذه الأساليب ، و عدل بين هذه الأقسام ، فلم يجعل واحدًا منها أغلب على الشعر ، و لم يطل فيمل السامعين ، و لم يقطع و بالنفوس ظمآء إلى المزيد … و ليس لمتأخر الشعراء أن يخرج عن مذهب المتقدمين في هذه الأقسام فيقف على منزل عامرٍ ، أو يبكي عند مشيد البنيان ، لأن المتقدمين وقفوا على المنزل الداثر ، و الرسم العافي . أو يرحل على حمار أو بغل و يصفهما ، لأن المتقدمين وردوا على الأواجن الطوامي . أو يقطع إلى الممدوح منابت النرجس و الآس و الورد ، لأن المتقدمين جروا على قطع منابت الشيخ و الحنوة و العرارة ” ص 76-77.

يبدو ابن قتيبة في كلامه هذا بصورة مخالفة للصورة التي تبادرت للذهن عند معرفة رأيه فيمن يتعصب للشعر القديم ، حيث يعلن أنه من أنصار المحافظة على التقاليد الأدبية في الشعر الجاهلي ، و في المقابل نراه حريصًا أشد الحرص في ترجمته للشعراء على تتبع المعاني الدقيقة الحديثة التي يبتكرونها و يسبقون إليها.

كما نراه في جانب اللغة قريبًا من التجديد حيث يدافع عن لغة أبي نواس فيقول : ” و قد كان يُلَحَّن في أشياء من شعره ، لا أراه فيها إلا على حجةٍ من الشعر المتقدم ، و على بينة من علل النحو ” ص 808.

5 – قضية إثارة الإبداع :

يقول ابن قتيبة في مقدمته بعدما تحدث عن الطبع و التكلف و الصنعة : ” و للشعر دواعٍ تحث البطئ ، و تبعث المكتلف ، منها الطمع ، و منها الشوق ، و منها الشراب ، و منها الغضب … و للشعر تارات يبعد فيها قريبة ، و يستصعب فيها ريضه … و للشعر أوقات يسرع فيها أتيه ، و يسمح فيها أبيه ” ص 79-81.

وقد جاء حديث ابن قتيبه عن بواعث الشعر و دواعيه بعد الحديث عن الطبع و التكلف و الصنعة و امتزج به ، و السبب واضح ؛ فالحديث عن الموهبة يجر إلى الحديث عما يثير هذه الموهبة و يحفزها على الإبداع .

وأول من تنبه إلى ما يثير و يحفز الإبداع لدى شعراء معينين هو من قال ” امرؤ القيس إذا ركب، وزهير إذا رغب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا شرب ، و عنترة إذا كلب ، و جرير إذا غضب ” [ حكاه الأصمعي عن أبي طرفة ، و رواه ابن سلام عن يونس بن حبيب ، و ينسب لكثير أو نصيب ].

ولكن ابن سلام لم يهتم بالقول السابق اهتمامًا يدفعه إلى البحث عن دواعي الشعر في نفوس شعراء آخرين ، إنما بحث عن دواعي الشعر في البيئات المختلفة فتنبه إلى أن الحروب و التارات تؤثر في في الشعر كثرة و قلة حتى جاء ابن قتيبة فعاد و دقق النظر في بواعث الشعر و دواعيه في نفوس الشعراء عامة ، فجعل بعضها داخليًا نابعًا من الشعراء أنفسهم ، وجعل بعضها خارجيًا نابعًا من الزمان و المكان جاريًا في أنفس الشعراء.

6 – قضية خلود الشعر :

يقول ابن قتيبة في مقدمته بعدما تحدث عن اللفظ و المعنى : ” و ليس كل الشعر يُختار و يحفظ على جودة اللفظ و المعنى ، و لكنه قد يختار و يحفظ على أسباب : كمها الإصابة في التشبيه، …. و قد يحفظ و يختار على خفة الروي ، …. و قد يختار و يحفظ لأن قائله لم يقل غيره ، أو لأن شعره قليل عزيز ، … و قد يختار و يحفظ لأنه غريب في معناه ، … وقد يختار و يحفظ أيضا لنبل قائله ” ص 85 – 87.

لعل ابن قتيبة بعدما تحدث عن اللفظ و المعنى قد سأل نفسه : هل جميع الأشعار التي تختار للحفظ و الرواية جيدة في اللفظ و المعنى ؟ و لأنه أدراك أن الإجابة بالنفي بدأ في البحث عن ما يميز هذه الأشعار و يجعلها باقية أو مشهورة أو خالدة ، و قد اهتدى إلى عدة أسباب سردها و مثل عليها .

7 – قضية الضرورات الشعرية :

يقول ابن قتيبة في مقدمته بعدما تحدث عن عيوب القافية و الإعراب في الشعر : ” و قد يضطر الشاعر فيُسكِّن ما كان ينبغي له أن يحركه ، … و قد يضطر الشاعر فيقصر الممدود ، و ليس له أن يمد المقصور . و قد يضطر فيصرف غير المصروف ، و قبيح إلا يصرف المصروف ، … و أما ترك المهموز فكثير فكثير واسع ، لا عيب فيه على الشاعر . و الذي لا يجوز أن يهمز غير المهموز ” ص 99 – 102.

للخليل ابن أحمد الفراهيد كلام جميل فيما هو متاح للشعراء من تصريف الكلام على هواهم في الشعر ، إلا أن تلميذه سيبويه لم يسر على نهج أستاذه ، فهو و إن أقر بالضرورة الشعرية إلا أنها حاول أن يجد للشعراء مسوغًا فيما يظن أنه ضرورة شعرية غير الضرورة الشعرية ، و يبدو بأن هذه النظرة قد تطورت عند اللغويون فجاء ابن قتيبة و اختصر مجال الحرية المتاح للشاعر إلى النصف ممّا منحه الخليل للشعراء .

8 – قضية أولية الشعر :

يقول ابن قتيبة في آخر مقدمته : ” لم يكن لأوائل الشعراء إلا الأبيات القليلة يقولها الرجل عند حاجته … ” ص 105.

وذكر أبياتًا لشاعرين هما : دويد بن نهد القضاعي ، و أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان ، والحقيقة أن الحاجظ هو أول من أثار قضية أولية الشعر العربي ، أو قضية نشأة الشعر العربي ، و حاول تحديد مدة زمنية لها تتمثل في مئة و خمسين أو مئتي عام قبل الإسلام .

ثم جاء ابن سلام بعده و قال إن الشعر في بدايته كان بضع أبيات يقولها الرجل في حاجته ، ولم تقصد القصائد إلا في عهد عبد المطلب و هاشم بن عبد مناف ، و أول من قصّد القصائد وذكر الوقائع المهلهل بن ربيعة في قتل أخيه كليب وائل .

أما ابن قتيبة فلم يأت بجديد في كلامه عن هذه القضية على ما قاله ابن سلام ، بل إنه تجنب تحديد فترة زمنية ، و اكتفى بتسميه شاعرين و ذكر أبياتٍ لهما دون أن يشير إلى تاريخ، أو حادثة أو يحيل إلى فترة زمنية بعينها.

ثانيًا / منهج ابن قتيبة في الترجمة للشعراء :

1 – معيار الاختيار :

يقول ابن قتيبة في مقدمته : ” هذا كتاب ألفته في الشعراء ، أخبرت فيه عن الشعراء و أزمانهم ، و أقدارهم ، و أحوالهم في أشعارهم ، و قبائلهم ، و أسماء آبائهم ، و من كان يعرف باللقب أو بالكنية منهم . و عما يستحسن من أخبار الرجل و يستجاد من شعره ، و ما أخذته العلماء عليهم من الغلط و الخطاء في ألفاظهم أو معانيهم ، و ما سبق إليه المتقدمون فأخذه عنهم المتأخرون . و أخبرت فيه عن أقسام الشعر و طبقاته ، و عن الوجوه التي يختار الشعر عليها و يستحسن لها ” ص 61.

ثم يبين قصده فيقول : ” و كان أكثر قصدي للمشهورين من الشعراء الذين يعرفهم جل أهل الأدب ، و الذين يقع الاحتجاج بأشعارهم في الغريب ، و في النحو ، و في كتاب الله عز و جل ، و حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم . فأما من خفي اسمه ، و قل ذكره ، و كسد شعره ، و كان لا يعرفه إلا بعض الخواص ، فما أقل من ذكرت من هذه الطبقة ” ص 61.

ومن ذلك نعرف أن مقياس ابن قتيبة في اختيار للشعراء الذين ترجم لهم هي الشهرة و كون الشاعر ممن يحتج بشعره ، و سبب عدم الترجمة لغير المشهورين أن أخبارهم و أشعارهم لا يعرفهم إلا قليل من الناس.

والحقيقة أن ابن قتيبة لم يصنف الشعراء إلى طبقات كما فعل ابن سلام من قبله و إن كان ذلك حاضرًا في عقله الباطن ، و لكنه اعتمد الترتيب التاريخي في ترجمته للشعراء إلى حد ما ، و استعرضهم دون موازنة بينهم أو مفاضلة بين السابق و اللاحق كما فعل ابن سلام.

2 – معيار النقد :

يقول ابن قتيبة في مقدمته : ” و لم أسلك فيما ذكرته من شعر كل شاعر مختارًا له سبيل من قلد ، أو استحسن باستحسان غيره ، و لا نظرت إلى المتقدم منهم بعين الجلالة لتقدمه ، و إلى المتأخر منهم بعين الاحتقار لتأخره ، بل نظرت بعين العدل على الفريقين ، و أعطيت كلاً حظه ، و وفرت عليه حقه ” ص 64.

فهو يعتمد جودة الشعر مقياسًا و ميزانًا في المفاضلة بين الشعراء الذين ترجم لهم بعيدًا عن العامل الزمني ، ثم ينتقد من يجعل العامل الزمني مقياسًا للمفاضلة بين الشعراء ، وقد سبقت الإشارة إلى رأي ابن قتيبة في المتعصبين للشعر القديم النافرين من الشعر الحديث .

3 – مدى تطبيق المعايير :

بلغ مجموع الشعراء الذين ترجم لهم ابن قتيبة ستة و مئتين شاعرًا بين جاهلي ومخضرم وإسلامي، ومن عاصره من العباسيين ، فبدأ بامرىء القيس و ختم بالأشجع السلمي ، و من خلال تصفحي لبعض ترجمات الشعراء أرى أن ابن قتيبة قد حاول تطبيق معاييره التي ذكرها في مقدمته إلى حد كبير ، فاهتم بذكر اسم الشاعر و نسبه و قبيلته ، و ذكر شيء من أخباره ، و ذكر ما يستجاد من شعره ، و ما سبق إليه و ابتكره من معانٍ ، و ما عيب من شعره ، كما كان حريصًا على الحكم على مواهبهم الشعرية من حيث الطبع و التكلف و الصنعة .

بواسطة صالح الهزاع

مدون سعودي

7 تعليقات على “الشعر والشعراء لابن قتيبة”

الكتاب من أجلّ الكتب، ولكن أين من يأخذ على نفسه القراءة
ابن قتيبة أخطأ في نظري في وصفه لزهير بالمتكلف ولم يجعله من المطبوعين، وفرق بين التنقيح وبين التكلف

* عبدالله المقبل :

مرحبا بك يا صديقي ..
نعم ، مما يؤخذ على ابن قتيبة خلطه بين الصنعة و التثقيف ( التنقيح )
و لكن هذا الخلط كان موجودًا عند الجاحظ – قبل ابن قتيبة – و استمر بعد ابن قتيبة ؛ لأن النقد كان في بداياته ، و لم تتضح الحدود بين الصنعة و التنقيح إلا عند ابن رشيق القيرواني مؤلف العمدة [ 390 – 463 هـ ].

شكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرا

مرحبا هل هذه القضايا تعتبر قضايا مهمه (لاني لم اسمع بها كثيرا كما سمعت بقضية اللفظ والمعنى وعامود الشعر ….)
أقصد هل هذه القضايا كانت مهمه ومتناوله من قبل النقاد قديما ؟؟
شاكر لك

* صديق الكل :

مرحبا بك (f)

* محمد بن إبراهيم :

مرحبتين، نعم، هي قضايا مهمة، و تناولها النقاد قديمًا و حديثًا و لكن بأسماء مختلفة

ما ذكرته من كلام ابن قتيبة يعد الإشارات الأولى لبعض هذه القضايا، و لا تستغرب من عدم سماعك بها؛ لأن غير المتخصص ربما لا يسمع بها في حياته أبدا، و لن يضره ذلك شيئًا 🙂

اخطأ ابن سلام في القول ان هناك صنفان من الشعراء الاول مطبوع والثاني متكلف وعمد على جعل شاعر كزهير من المتكلفين ليس لشيء سوى لأنه من اصحاب الحوليات والمفروض ان يحدد نوعا اخر من الشعراء الا وهو الشاعر المنقح او شاعر الصنعة كزهير والحطيئة وربما اعذر ابن قتيبة في جعله زهير والحطيئة من شعراء التكلف لقلة المصطلح النقدي لديه ولدى معاصريه فلم يكن النقد انذاك اتسع في مصطلحاته 💡

أكتب تعليقك

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: