التصنيفات
كتب وقراءات

في أعماق الروح : الحلم في القصة القصيرة السعودية

دراسة نقدية للأستاذة تهاني بنت عبدالله المبرك المحاضرة بقسم الأدب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية نالت بها درجة الماجستير في الأدب الحديث بتقدير ممتاز بإشراف الأستاذ الدكتور محمد بن حسن الزير، نشرت الدراسة دار المفردات للنشر و التوزيع في 267 صفحة من الجحم المتوسط، و الطبعة التي بين يدي الأولى بتاريخ 1430 هـ – 2009 م.

موضوع الدراسة ” الحلم ” طريف و لافت للانتباه، تقول الدَّارسة في مقدمة دراستها : ” و وجدت أن الأحلام مثلما استقطبت اهتمام الناس عامة استقطبت اهتمام الأدباء، و أن العديد من كتاب القصة باتوا مأخوذين بها، و قد حملتهم ذلك على تصويرها في قصصهم و توظيفها، توظيفًا يطوعون به دلالاتها الإيحائية و الرمزية؛ لخدمة مضامينهم و لتشييد بنائهم القصصي. و حسب المطلع إلقاء نظرة على المجموعات القصصية السعودية؛ فإنها تكشف عن توافرها على الأحلام، و عن تنوع صور بنائها، و تباين طرق توظيفها بين القصاص، بما يصيرها ملمحًا ملمحًا فنيًا في القصة السعودية ” ص 8. 

ولعل ذلك هو ما دعا الدَّارسة إلى اختيار هذا الموضوع للدراسة بالإضافة إلى سبب آخر تقول عنه الدَّارسة : ” و مما عزز رغبتي في دراسة الأحلام الأدبية قلة عناية الحركة النقدية في المملكة العربية السعودية – بصفة خاصة – و في العالم العربي – بصفة عامة – بهذه الظاهرة، رغم استوائها على عودها، و بروز ملامحها الفنية، و وفرتها في المنجز الإبداعي. و ليس معنى ذلك أن أقلام النقاد و الدارسين قد ولت مدبرة عن هذا الميدان تمامًا؛ فالحق أن أقلامًا قد خاضته في جرأة فأبلت بلاءً حسنًا غير أنها ليست بالقدر المرضي؛ و قد يعزى ذلك إلى كثرة الملامح الفنية المستخدمة التي طرأت على فن السرد، و استرعت انتباه النقاد و الدارسين و استحوذت على دراساتهم ” ص 8.

ومع طرافة الموضوع و لفته للانتباه يبدو صعبًا أيضًا، فالدراسات النقدية قليلة فيه، و الدين و علم النفس و الأسطورة و التراث يتواشجون معه، و التقنية الفنية المعتمدة في بنائه كثيفة، كالرمز ، و الصورية ، و التشكيل الخاص للغته الذي يقوم على التفتيت، و التيار الواعي، فإلى أي مدى يتواشج الموضوع مع الدين و علم النفس و الأسطورة و التراث، و ما مدى قلة الدراسات النقدية في الموضوع ؟

ذكرت الدَّارسة في مقدمة دراستها مجموعةً من الدراسات التي سبقت دراستها عن الحلم في القصة القصيرة عربيًا و محليًا، و تناولتها بشيء من النقد في تعليقات قصيرة سريعة، ثم بيَّنت الإطار الزمني للبحث، و هو عقدان من الزمان [ 1400 – 1420هـ ]، و ذكرت سبب هذا الاختيار، و هو وفرة الانتاج القصصي، و تنوع اتجاهات القصاص، و بروز عدد من القاصات، و كانت غالبية القصص التي اختارتها منشورة ضمن مجموعات قصصية؛ معللة ً ذلك بصعوبة جمع الأعمال القصصية المنشورة في الصحف، و بكثرة ورد الأحلام في تلك المجموعات، و قد استعانت في دراستها بالمنهج النفسي، و المنهج التحليلي، و تفادت التقيد الصارم بالآراء و النظريات النفسية، و حاولت الالتزام بالترجمة للأعلام و التعريف بالمصطلحات، و قد بذلت في ذلك جُهدًا واضحًا.

ثم عرضت الدَّارسة خطتها في البحث فقالت : ” و قد بنيت هذا البحث على تمهيد، و ثلاثة فصول، و خاتمة. و خصصت التمهيد لتوضيح مفهوم الحلم في اللغة، و في القرآن و السنة المطهرة، و عند علماء النفس، و في الدراسات الأدبية و النقدية. ثم عقدت مقارنة بين الدراسات النفسية و الدراسات الأدبية وضحت من خلالها أوجه الاختلاف و الاتفاق في طريقة تعاملهما مع الحلم، و تطرقت إثر ذلك إلى معنى الوظيفة و التوظيف، ذاكرة على عجالة صورًا من توظيف الحلم ” ص 12.

أما في الفصل الأول فقد أفردت الدَّارسة الحديث فيه عن أسباب شيوع الحلم في القصة القصيرة السعودية، و هي تدور حول أربعة محاور : ثقافية تتصل بما توطن في ثقافة الكاتب و ما رسخ في تكوينه عن الحلم ، و فنية تتعلق بالحلم نفسه و بنيته و ما ينطوي عليه من إمكانات خاصة فريدة ، و ذاتية نابعة من رغبات القاص الخاصة التي تجد متنفسًا لها في إطار الحلم، و اجتماعية متصلة بتصورات أفراد المجتمع عن الأحلام، و قد أحسنت الدَّارسة في استنباطها و تصنيفها و الاستشهاد عليها.

و في الفصل الثاني كان الحديث عن دلالات الحلم في القصة القصيرة السعودية و وظيفته، و صنفت الدلالات إلى أربع دلالات رئيسة و بينت ما تقدمه للشخصية، و هي : دلالة التعويض عن الواقع و وظيفتها التنفيس عن الشخصية أو منحها اتزانًا و التئامًا داخليًا، و دلالة تصوير المشكلات و وظيفتها الكشف عن مشكلة الشخصية أو حلها، و دلالة استشراف المستقبل و وظيفتها تزويد الشخصية برؤية ثاقبة عن المستقبل، و دلالة التحذير و وظيفتها تنبيه الشخصية إلى الخطر أو حفزها لتصحيح أخطائها، كما بينت وظيفة الحلم داخل البناء القصصي بدلالاته المتنوعة فخرجت بمجموعة من النتائج منها :

اكتشاف العلاقة الطردية بين الأحلام التعويضية و الشعور المكثف بالعجز و الحرمان، فكلما زاد شعور الشخصية بذلك جندت أخيلتها لتحقيق أمنياتها التي تريد الوصول إليها. و منها معرفة أكثر دلالة دارت عليها الأحلام في النصوص المدروسة و هي تصوير المشكلات، مخالفةً بذلك النظرة السائدة عن الأحلام التي يغلب عليها الاعتقاد أن الأحلام تنبئ عن المستقبل!. و منها انحصار الأحلام الاستشرافية في النبوءات و التوقعات السيئة دون الحسنة في كل النصوص المدروسة، و قد عزت ذلك إلى استئثار الجانب المروع للإنسان في الحلم الاستشرافي باهتمام القصاص أكثر من الجانب المبشر الواعي، و منها تضاؤل حضور دلالة التحذير في النصوص المدروسة.

أما الفصل الثالث ” الدراسة الفنية ” فكان مخصصًا لإبراز النواحي الجمالية للأحلام ، تعرض هذه الدراسة أهم السمات المتصلة ببنيتها، بدءًا بمدى طول الحلم، و ترتيب الأفكار، و الخيال، و البعد المكاني و الزماني، و لغة الأحلام، و توصلت الدَّارسة في المبحث الأول إلى اشتراط الإعلان عن حلمية ما يروى لكي يُعد حلمًا مناميًا، و هناك ثلاث صيغ للإعلان هي : التصريح منذ البداية، و مسوغها أهمية إدراك القارئ لحلمية الأحداث ،و التلميح بذكر القرائن، و مسوغه الرغبة في مفاجأته، و الكشف عن الحلم في النهاية، و مسوغه الرغبة في إبقائه مثارًا حتى النهاية. و تؤثر في طول الحلم و قصره عوامل عديدة كدلالته، و الوظيفة التي يؤديها في بنية النص القصصي في ضوء الدلالة، و طريقة سرد رواي الحلم، و قد أحسنت الدَّارسة في استنباطها و تصنيفها و الاستشهاد عليها.

و في المبحث الثاني ” ترتيب الأفكار” توصلت الدَّارسة إلى أن ” من خصائص الحلم تعطيل المنطق، و الجنوح نحو تحولات و نقلات غير معقولة، و القدرة على تحويل الأفكار إلى صور رامزة تعتمد على التكثيف أو النقل أو القلب في تشكيلها. و فنية الحلم و مستواه الجمالي مرهونان بمدى قدرته على الإيحاء، و وضوحه و انكشافه السافر يسلبانه تلك الطاقة المشعة التي تمد المعاني بالجاذبية، كما أن إغراقه في الغموض يؤدي به نحو الانطفاء… ، و الزمن في الحلم زمن نفسي يتشكل تبعًا لأحاسيس الشخصية، التي تجرده من مقاييسه؛ فتداخل بين دوائره أو تبطئ من حركته أو تسرع به. و أما المكان فيتشكل في الحلم وفاقًا للأفكار التي يتولى الحلم ترجمتها، و يصبح معادلاً رمزيًا للشخصية عندما يكون تعبيرًا مجازيًا عنها ” ص 240

و في المبحث الثالث ” اللغة ” توصلت الدَّارسة إلى أن أهم سمات لغة الأحلام سيطرة الجمل الفعلية التي تفيد الحركة و التتابع، و تحافظ على بناء تواتري، كما تنزع لغتها إلى التوسط بين اللغة الشعرية و الفصحى الميسرة، و قد تباين مستوى تناص الأحلام مع الآثار، من مستوى الإفادة الحرفية في بعض النصوص إلى مستوى توليد الدلالة، و قلبها لصالح النص الحلمي. و قد تناولت الدَّراسة قصصًا قصيرة من خمسين مجموعة قصصية في دراستها، و كشفت فيها عن شيء من مستوى القصص القصيرة و القصاصين السعوديين، فقد أجاد بعضهم توظيف الحلم و أخفق بعضهم الآخر، و سبب هذا الضعف الفني هو تجريد الأحلام من سماتها الفنية، كما كشفت عن فوضوية استخدام علامات الترقيم في بعض الأحلام نتيجة غياب الثقافة الطباعية لدى هؤلاء القصاص. 

رأيي الشخصي في الدراسة :

بصراحة، قد يبدو لبعض الناس أن قراءة الرسائل العلمية مهما كان تخصصها و موضوعها مملة لأسباب كثيرة مختلفة باختلاف وجهات نظر هؤلاء الناس للرسائل العلمية، ربما أشارك هؤلاء الناس بعض وجهات نظرهم ، و لكني و الحق يقال لم أشعر بالملل أبدًا في قراءتي لهذه الرسالة، بل على العكس شعرت بالمتعة و الفائدة في ما قدمته من جديد، و هو ذو قيمة بلا شك، حيث تفضل من هو أعلم مني بتقييم الدِّراسة.

و إن كان هناك ما يؤخذ على الدَّارسة فهو قولها في مقدمتها إنها استعانت بـالمنهج التحليلي، إذ ليس هناك منهج بعينه يسمى بالمنهج التحليل دون بقية المناهج؛ فكل مناهج الدراسات الأدبية تتصف بهذه الصفة، كما يؤخذ عليها استخدامها لبعض المصطلحات الأجنبية بتعريبها لفظيًا مع وجود مقابل عربي لها مثل مصطلح ” تكنيك ” و مصطلح ” الدينامية ” و مصطلح ” رتوش “، و كان الأجدر أن تستخدم المقابل العربي أو أن تعريبها تعريبًا معنويًا و ليس لفظيًا كما عربت كلمة ” flash bak ” بومضة ورائية، و لعل الأنسب أن نقول ” مشهد ورائي “.

و لعلنا نجد للدَّراسة عذر في ، حيث تُعد مسألة ترجمة المصطلحات في الحقيقة مسألةً صعبةً شائكةً ما لم يوجد هناك معجم خاص معتمد عند المتخصصين يرجع إليه، و هو ما لم يتوفر في زمن هذه الدراسة، و قد كتبت قبل فترة قصير عن أول معجم عربي للسرديات صدر من إعداد مجموعة من المتخصصين ، و بإشراف الأستاذ الدكتور محمد القاضي ، و لا شك بأنه سيكون خير معين للمتخصصين و للدَّارسين في دراساتهم المتعلقة بالسرد بكافة أنواعه، إلا أنني بحثت عن المصطلحات المذكورة فلم أجد إلا مصطلح  ” ومضة ورائية “.

بواسطة صالح الهزاع

مدون سعودي

3 تعليقات على “في أعماق الروح : الحلم في القصة القصيرة السعودية”

أكتب تعليقك

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: