التصنيفات
كتب وقراءات

الخطاب الأدبي و تحديات المنهج

كتاب للأستاذ الدكتور صالح الهادي رمضان[1] عن ماضي و حاضر و مستقبل الدراسات الأدبية و التحدي المتمثل في علاقة هذه الدراسات بمناهج الدراسات الأدبية تأصيلا و تمثيلا و التزامًا و مشاركة و إسهاما، النسخة التي بين يدي الطبعة الأولى 1431هـ 2010م من إصدارات نادي أبها الأدبي في 400 صفحة من الحجم المتوسط، و إليكم عرضًا لأبرز أفكار الكتاب و تلخيصًا لبعضها:

المقدمة [من صفحة 5 إلى 20]

و قد وضح المؤلف فيها التحديات المنهجية التي يواجهها واقع الدراسات الأدبية و الدارسين خصوصا، مثل:

أ/ اكتساب العادات المعرفية الخاطئة “الانتقاء و السرقات و التخليص غير الوفي للمادة العلمية و اختيار المنهج غير المبرر على سبيل المثال”.

ب/ عدم خضوع الدراسات الأدبية على مناهج الحديثة لأصول التفكير البنائي الذي يقتضي تراتب المعارف “صلة المناهج بالأدب بسبب النقص في التراكم المعرفي بشكل طبيعي تكوبني مما أدى إلى عجز تام عن فهم المناهج و حدودها و تاريخ الأفكار التي تستند إليه”

ج/ عدم الإلمام بالخلفيات الجمالية للمناهج الجمالية في معناها العام، أي النظريات الفنية في مختلف فروع الفن اللغوي و غير اللغوي.

ثم نبه فيها على أخطاء منهجية على مستوى :

أ/ المعرفة، “الغرض و الموضوع، و المعنى و جهة المعنى على سبيل المثال”. مما ينتج عنها إرباك للباحث و الطالب، و تأخر صدور معاجم متخصصة تبدد هذه الحيرة.

ب/ الممارسة، جميع المناهج البحثية لا تدرس خطابا متكامل المكونات النصية و السياقية و المعرفية، لا تدرس نصا حيا له حرمته في ألا يمزق و يشوه، و لا بنية متأصلة، و لا تدرس بوطيقا النص، بل تنتقي ما يستجيب لنظامها المنهجي، فأصبحت ثقافتنا ثقافة الشاهد لا النص و ثقافة العنصر لا ثقافة النظام و ثقافة الجزء لا ثقافة الكل.

كما نبه على الخلط بين المناهج على مستوى المعرفة “خلط بين المفهوم و الماصدق في تعريف المقامة مثلا” و الممارسة، و تداخل بين مناهج غير متداخلة “التداخل بين اللسانيات و البلاغة و الأسلوبية و صعوبة التمييز بين ما هو نصي و غير نصي و تداخل الأدوات المنهجية تبعا لذلك. مها القصراوي”، كل ذلك بالأمثلة.

تعليق: ذكر المؤلف في الصفحة العاشرة أن البوطيقا ليست الجمالية بل الشعرية، و قد استغربت من استخدامه لمصطلح الشعرية مقابلا للبوطيقا بدلاً من الإنشائية التي يستخدمها عادة النقاد التوانسة، و قد أشار المؤلف نفسه في ثبت المصطلحات إلى أن استخدام مصطلح الإنشائية أدق من الشعرية.

المدخل الأول “التقاليد اللسانية و الأدبية و تحديات المنهج” [من صفحة 21 إلى 30]

افتتحه المؤلف بالحديث عن رفض اللسانيين التداوليين لأفكار سوسير منذ صدور كتابه، و أنهم عابوا عليه أنه ينظر للغة نظرة مثالية متعالية عن مقامات التلفظ و آثار السياق التخاطبي، فالمتكلم و المخاطب عنده خياليان لا علاقة لهما بالخطاب، و اللغة عنده ذاكرة ثابتة و نظام مستقل عن لحظة القول و مقتضيات التداول، و قدم تعريفا هو أن اللغة نظام من التقاليد القولية ديناميكي متحرك، و أن فكرة ربط العدول باللغة الأدبية غير سليمة و أن المجاز مكون من مكونات اللغة الطبيعية، و يتفق مع الدراسات التي تؤيد صلة الأدب بالتقاليد اللغوية، و بناء على ذلك يدعو إلى أخذ ذلك بعين الاعتبار عند تطبيق المناهج أن العادات اللغوية تختلف من لغة إلى أخرى، و يوضح هذه الفكرة من خلال المقارنة بين ترجمة الشعر العربي و نقل المناهج، و يشير إلى أن تهميش الأسلوبية لدور التقاليد اللغوية المؤثرة في النص الأدبي و تحييد البلاغة قد جعلها تقع في نفس ما وقعت فيه البلاغة عندما تحولت إلى قوالب جافة حولت النص الأدبي فتحولت هي إلى جملة من المعادلات الرياضية و الأشكال اللعبية كما نرى في الأسلوبية الإحصائية، و ختم المدخل بتفسير للعادات اللغوية.

المدخل الثاني “مصادر المعرفة و الدراسات الأدبية الحديثة” [من صفحة 31 إلى 85]

،جعل المؤلف لهذا المدخل مقدمة خاصة به فرق فيها بين الابيستيمية القديمة و الحديثة في التعامل مع المعرفة، و يشير إلى بلوغ التراكم المعرفي في مجال تعريب المناهج الحديثة درجة يعسر معها إدعاء أننا قادرون على الإلمام بجميع الإشكاليات التي تثيرها مرجعيات الخطاب النقدي العربي في صلته بالمناهج الحديثة، و أن الآوان قد حان كي يكتب أهل هذا التخصص تاريخ المثاقفة الحديثة و كيف تمثل الفكر الأدبي العربي الغربية الحديثة و تاريخ هذه المثاقفة، و هو أمر عسير لعدة أسباب:

١- تشعب مسالك التاريخ الفكري الحديث و تعدد موارد خطابه و اختلاف آليات استدلاله و أشكال مفاهيمه المعتمدة في مرجعياته الفكرية و الجمالية.

٢- نزوع السواد الأعظم من الدراسات إلى منطق الإقصاء و التجاهل و الاستغناء عن استخدام مبدأ التراكم المعرفي سواء في اللغات المترجم عنها او في العربية نفسها، و ضرب مثلا بكتاب “تحليل الخطاب الشعري: استراتيجية التناص” لمحمد مفتاح في اختزال المفاهيم المعقدة و عدم الاهتمام بمصادرها الأساس فخرج عن أصول النقل المعرفي

٣- التداخل بين مكونات الخطاب المفهومي العلمي الذي يتعامل مع النص الأدبي بصفته موضوعا مستقلا عن ذات الناقد و ذات المبدع، و لا يخفى أن الخلط بين الموضوع و الذات في علوم الأدب و الإنسانيات عامة بات من المسلمات التي يتفق عليها جمهور الدارسين

٤- التداخل بين الفكر العلمي و الموضوعي و دوافع الكتابة الذرائعية التي تتخذ الأدب أداة لبناء موقف حضاري محدد و للإقناع به و لحشد الأنصار من قراء الأدب.

ثم تحدث عن صوتين يتدافعان في عامة الدراسات الأدبية المتوسلة بالمناهج الحديثة، و هما صوت الباحث العالم و صوت المثقف المنتمي إلى قضية إيدلوجية شائكة، كما تحدث عن القارئ الرافض و المتعاون و المحايد، و أشار إلى أن الأسباب السابقة هي التي دفعته إلى الاقتصار في هذا البحث على النظر في نماذج من الدراسات التي يرى إنها يمكن أن تمثل مجمل الخصائص المميزة الفكر الأدبي العربي الحديث و قبل أن يتحدث عن هذه الدراسات أشار إلى اتجاهين من أشكال الخطاب النقدي في مجال الأدب: الأول يجنح لاستقطاب التعدد و تبسيط التعقد و إلغاء التنوع أو تجاهله و يقدم النص قربانا للدرس البلاغي الذي يشظيه و يختزله في الشاهد، و الثاني يحرر النص الأدبي من هيمنة البلاغة النمطية و الأسلوبية البنيوية المتحجرة و من القوالب الشكلانية و الدلائلية المحنطة فينمي فيه التعدد و يضعه على حدود القراءات و تخومها

ثم عاد و تحدث عن عدة مؤلفات نقدية و ترجمات لكتب أجنبية تنقل الحاصل المعرفي في مجال المناهج الأدبية و النقدية الحديث، و من أقدمها كتاب “مناهج النقد الأدبي بين النظرية و التطبيق” لديفد ديتش الذي عربه إحسان عباس و محمد يوسف نجم و كتاب “مدارس النقد الأدبي الحديث” لمحمد عبدالمنعم خفاجي و كتاب “المذاهب الأدبية و النقدية عند العرب و الغربيين” لشكري عياد، و كتاب “نظريات معاصرة” لجابر عصفور، و كتاب “نظرية الأدب: دراية في المدارس النقدية الحديثة” لشفيع السيد، و الورقة التي قدمها إبراهيم جودت في ندوة نظمها اتحاد الكتاب بسوريا سنة ٢٠٠٨ و أرج فيها للمناهج التي تعاورت على الأدب العربي منذ أكثر من قرن، و كتاب “مناهج النقد العربي الحديث و المعاصر” لجميل حمداوي، و كتاب “مناهج النقد المعاصر” لصلاح فضل و تناولها بالنقد.

و ذكر رواد المنهج التكامل أو الشمولي و انتقد التسمية لا فيها تناقض و انتقد الجمع بين المناهج لأنه تلفيق.

كما تحدث عن دراسات و مقالات و أبحاث تتناول أزمة المناهج و مشاكل نقلها إلى الثقافة العربية مثل “معضلة الخطاب الأدبي و أزمة المناهج النقدية” لرابح حبوش الذي تناوله بمزيد من النقد، و ختم المصنف الذي يرى أنه في غاية الأهمية و هو “النظرية الأدبية المعاصرة” لرامان سلدن ترجمة جابر عصفور، و ختم المقدمة بخلاصة عن تعامل الدرس الأدبي مع مناهج تحليل النصوص.

ثم قسم المعرفة المرجعية في مجال الدراسات الأدبية إلى ثلاثة حقول كبرى او موارد عامة هي:

١- التفكير الأدبي و البلاغي في التراث العربي الإسلامي و ركز فيه على كتاب حازم القرطاجني “منهاج البلغاء و سراج الأدباء” و تصور الجاحظ للبلاغة و كتب عبدالقاهر الجرجاني و السكاكي

٢- الفكر الروماني و اليوناني و ركز فيه على كتب ارسطو

٣- المعارف الحديثة، و قسمه إلى قسمين: الأول هو الأدب و الإبداع المعرفي و تحدث فيه عن تطور المناهج في مشروع ثقافي واحد، و الثاني هو حوارية المناهج في الدرس الأدبي الحديث و تحدث فيه عن المأزق المعرفي و الأزمة التنظيرية و القراءة المنفتحة، و ختم بانتقاد تسميات مثل المنهج الفني و الاستقرائي و التحليلي و الوصفي لأنها تنطبق على مناهج التحليل الأخرى و لأن بعضها أدوات أو طرائق مستخدمة في مناهج دراسة الأدب و العلوم الأخرى.

تعليق: في صفحة 49 قال المؤلف في الهامش: “انظر تعريف الموضع أسفله ضمن ثبت المصطلحات” و لكني لم أجد تعريف الموضع ضمن ثبت المصطلحات بل وجدته في هامش صفحة 178، و من الواضح أن هناك ترددا في اختيار المؤلف للمكان المناسب لوضع تعريف المصطلحات بين الهامش و ثبت المصطلحات، فليته اكتفى بأحدهما عن الآخر.

المدخل الثالث “إشكاليات المثاقفة و أثرها في الدرس الإدبي الحديث” [من صفحة 85 إلى 117]

ذكر المؤلف فيه أولا أن المثاقفة شيء طبيعي، ثم تحدث عن تغير النقد و نظرية الأدب بظهور الرومنسية ثم الواقعية، و تحدث عن التراكم المعرفي و الخلل الذي يحدثه عدم الاهتمام بهذا الجانب، و طرح عدة تساؤلات، منها:

التساؤل الأول/ هل يراعي الدارسون في نقل المراجع الفكرية و الجمالية خصائص البيئة التي أنتجت فيها و التي ينقلون إليها، أم يعزلون تلك المراجع عن طرفي المثاقفة و ظروفها؟ و الجواب طبعا هو الثاني و مثاله على ذلك هو كتاب استراتيجية التناص لمحمد مفتاح.

التساؤل الثاني: هل تيسر ثقافة الشعراء و الكتاب و انتماؤهم إلى المذاهب الأدبية و الفكرية و انتماء واعيًا لاستغلال الأدوات و المناهج النقدية على نحو أفضل؟ يرى المؤلف أن الشعراء و الكتاب مطلعين و متأثرين، و لكن هناك اضطراب في حركة نقل و تعريب المناهج التي بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي، و المشكلة هي تأخرنا، فلا نعرب شيئا إلا بعدما يتجاوزه الغربيون، و يقدر المؤلف هذا التأخر بثلاثين إلى أربعين سنة على الأقل، و يضرب أمثلة على ذلك.

التساؤل الثالث/ هل تم تعريب المرجع النقدي فكرا و أداء؟ طبعا الجواب نسبي لأن الدراسات النقدية تتفاوت من ناقد لآخر و تختلف باختلاف المستويات المعرفية و مناهج الدراسة و تتعدد بمقتضى تعدد طرائق النقل و مدى قرب الناقد من اللغة الأصلية التي كتبت بها المؤلفات النقدية العربية، ثم تحدث عن النقل المعرفي و مستوياته و عن حركة تحويل المعرفة عن علماء التواصل و اللسانيات التطبيقية و ذكر بعض الأمثلة عن الأخطاء التي يمكن أن تنتج خلال عملية النقل المعرفي و تتعلق هذه الأخطاء بالمشترك اللغوي مثل ترجمة كتاب المفكر قاستون باشلار الذي قام بها غالب هالسا و الترجمات العربية لكتاب بودلير أزهار الكآبة و مقولة بوفون “الإنسان هو الأسلوب” ثم فرع مشاكل المعرفية إلى مسألتين:

المسألة الأولى/ اضطراب المصطلحات و المفاهيم في الدراسات التي تعتمد الأصول النقدية في لغاتها التي كتبت بها في الأصل أثناء إعادة كتابتها في الخطاب النقدي العربي،

المسألة الثانية/ ان في هذا النقل دورا سلبيا في تمثل القارئ للمفاهيم النقدية في مجال الخطاب الأدبي لأنه يعتمد على ترجمات متوسطة القيمة، و ربما كانت من الدرجة الثانية أو الثالثة و ضرب لذلك مثلا بترجمة كتاب مرفولوجيا الخرافة لبروب و أصاف أن بعض الدارسين لا يعودون إلى الأصول النقدية لشحذ أدواتهم النقدية و إنما إلى أقرب مرجع نقدي تطبيقي و بأخذون منه المصطلحات التي استخدمها غيرهم و مثل لذلك بعبد الفتاح عثمان و نبيلة إبراهيم في تسمية المنهج البنيوي بالمنهج اللغوي.

التساؤل الرابع/ كيف يمكن إصلاح هذا المسار غير السليم، و هل نستطيع إرجاع هذه الأخطاء إلى مناويل معرفية يساعدنا على الوعي بها على بناء خطاطة علاجية لتفاديها؟ و يجب المؤلف على ذلك تحت ثلاث عنوانات هي:

العنوان الأول/ الصعوبة المعرفية و النقل المعرفي

العنوان الثاني/ و مفهوم التصور أو التمثل المعرفي و ينقسم إلى:

أ/ تشخيص مشاكل النقل المعرفي. ب/ تجويد النقل المعرفي.

العنوان الثالث/ النقل المعرفي و التبسيط، و ذكر بترويج تعليمي فهم مخصوص لمعرفة من المعارف أو نص من النصوص، و ساق أمثلة على الأخطاء التي تحدث في هذا الجانب منها الخطأ في تفسير مقولة الجاحظ “المعاني مطروحة.. ” و فرق أثناء ذلك بين المعنى و (جهة المعني أو صورة المعنى أو معنى المعنى) و وضح المقصود بالمحاكاة الأرسطية.

المدخل الرابع “الاتجاه الانطباعي” [من صفحة 117 إلى 124]

و هو أقصر المداخل كما ترون ] 7صفحات[، و قد تحدث فيه المؤلف عن الاتجاه الانطباعي أو التأثري أو الذوقي لأنه أبسط الاتجاهات تأثيرا في تاريخ الأدب، ثم تحدث عن أصول الانطباعية في الفن لبيان المسافة التي تفصل النقد الانطباعي الحقيقي من النقد الذي ليس له مبرر، و إنما يتلبس بالأغراض الشخصية و الأحقاد أو المنازع الفكرية، و عرفه بأنه يعبر عن رد الفعل التي يثيرها العمل الأدبي لدى الناقد مباشرة أي عما ينطبع في مشاعره لا عقله، ثم أشار إلى ارتباطه بالرسم و علاقته بالرومنسية و ذكر زعيمه و هو سانت بوف، و تحدث عن تأثر طه حسين به، و الاتجاهات التي تنازعت طه حسين في النقد، و خاصة في المسرحية و الرواية، و بين خطأ تسمية حلمي بدير “واقعية المحاكاة”، و فرق بين المحاكاة و المذهب الانعكاسي.

ثم بين التباس الانطباعية بالاتجاهات النقدية و اختلاط كثير من الدراسات النقدية و ترددها بين اعتماد النقد الانطباعي و الانعكاسي إلى أواخر السبعينيات و اقتحام النقد البنيوي عند المؤلف نبيل راغب في نقده لرواية نجيب محفوظ في كتاب “قضية الشكل الفني عند نجيب محفوظ”، و تردد و انتقائية نبيلة إبراهيم في كتابها “نقد الرواية”.

تعليق: بدأ المؤلف منذ هذا المدخل يخصص المداخل لاتجاهات و مناهج أدبية معينة و يتوسع في الحديث عنها.

المدخل الخامس “الاتجاه البنيوي: المنظومات المنهجية في الفكر الأدبي الحديث” [من صفحة 125 إلى 140]

أكمل المؤلف في بدايته حديثه عن المنهج الانطباعي و بين سبب اخراجه من المنظومات المنهجية و هو اختلافه الجوهري و عدم دخوله في حوار بناء مع سائر المناهج و سبب البداية به و هو أهميته التاريخية في الفكر العربي.

ثم ارجع المناهج الأدبية في العصر الحديث إلى منظومتين كبيرتين تقترب الأولى إلى روح الفكر الأفلاطوني لأنها لا تسعى إلى طرح الأسئلة بل يسعى تفكيرها الفلسفي إلى تقديم الأجوبة و إغلاق باب السؤال فهي تنطلق من مسلمات جمالية و معرفية و تقرأ النص الأدبي قراءة محورية فتعيد بناءه وفق مقتضيات المنهج المعتمد و بذلك يصبح النص خادما له أو دليلا يستدل به على قيمته النظرية و الإجرائية.

أما منظومة المناهج الثانية فهي أقرب إلى روح الفيلسوف سقراط حيث تبنى المعرفة عنده على التسآل و توليد الأفكار فتعمل على تحويل البناء المغلق إلى مفتوح و تعقد البسيط و تحرك الساكن فتحرك دلالة النص و تتصرف في مكوناته وفق مسالك القراءة المنفتحة، ثم تحدث عن تقديم الناقد الناقد الفرنسي جورج نونوماخر و عن تطبيق القراءة المنفتحة لإمبرتكو إيكو على أعمال جميس جويس القصصية و عن مقومات القراءة المحورية و القراءة المنفتحة و اهتماماتها.

ثم خلص إلى المنهج البنيوي يتصدر المناهج المحورية في الدرس الأدبي بلا منازع فهو الأكثر تصلبا تجاه الظاهرة الأدبية و هو الأكثر تباهيا بتبوأ الصدار في الالتزام بالانساق اللغوية الصارمة و العلمية الباترة و لكنه حر من اغترار الدارس بكثرة البحوث المشككة في جدوى تعريب هذا المنهج و من التعجل و التسرع في الحكم على ملاءمته للثقافة العربية لأنها أراء لا تخلو من جمال ساحر مستهو للفكر الكسول المتطلع إلى اللغة الاستعارية التي تسوق بها بعض المناهج و في مقدمتها ما يسمى النقد الثقافي، ثم بين سبب تحذيره هذا و هو أن هناك دراسات صدرت منذ عقود تمثل ميلا مطردا إلى الهجوم على هذه المناهج و كان نصيب البنيوية من هذا الهجوم كبيرا حيث يرى المؤلف أن عامة الكتابات العربية التي تنتقد البنيوية لا تصدر عن تفكير تاريخي تراكمي و إنما هي ترديد لمقولات و أفكار ظهرت في الفكر الغربي فيما يسمى بما بعد الحداثة و ما بعد البنيوية ، و يشير المؤلف إلى أن اول من انتقد البنيوية في الغرب هم البنيويون أنفسهم و يضرب الأمثلة على ذلك ثم يشير إلى تعقد ما كتب عن النظريات البنيوية و في صدارتها الشكلانية و ما حدث في المقابل من تبسيط لها في الفكر العربي تبسيطا مخلا بشرائط النقل المعرفي و يسجل عدة ملحوظات على الدارسين العرب مثل يمنى العيد و سعيد يقطين.

ثم تحدث عن ما ناله المنهج أو الفكر البنيوي من عناية و ترويج لم يناله سائر المناهج و مدى تأثيره في حركة المثاقفة في الفكر العربي في عدة مجالات كما تحدث عن اهم قطاع استثمر فيه الفكر الأدبي مبادئ البنوبة و هو حقل السرديات فهو أكبر المستفيدين من هذا الحاصل المنهجي نظريا و إجرائيا ثم عدد الدراسات العربية الرائدة في هذا المجال، و يرى المؤلف أن بعض النقاد العرب الذين تعصبوا للفكر الواقعي و لهجوا بما بعد البنيوية قد أسهموا إسهاما خطير في تشويه الفكر البنيوي و يتزعمهم الناقد محمود أمين عالم في التعصب للفكر الواقعي و يمنى العيد في اللهج بما بعد البنيوبة ثم اقتبس لهما عدة اقتباسات و ناقشها و علق عليها ثم ختم المدخل بالحديث و الثناء عن ما قدمته البنيوية و الإنشائية في مجال السرديات من آليات.

تعليق: في صفحة 133 ذكر المؤلف أسماء كتب يرى أنها رائدة في تعريب المنهج البنيوي و الإنشائي.

المدخل السادس “الاتجاه الحواري” [من صفحة 141 إلى 154]

في بدايته أوجز ما قاله المؤلف في المدخل الخامس، ثم استعرض مشاكل المنهج الشكلاني، و تحدث المنهج الحواري و تفريق باختين بين الديالوجي و المنولوجي، و عن قيام الرواية على تعدد الأصوات بالإضافة إلى انفتاح البنيويين على التعالق بين النصوص سيمكن النقد الروائي من ترسم التطور الذي عرفته الرواية في مراحلها التجريبية بشكل منهجي،و قد استمده النقاد العرب من حوارية باختين و أدبيات جينيت في النص الجامع و العتبات و مدخل إلى جامع النص و جان ريكاردو في الرواية الجديدة أهم الأفكار التي تطرقوا إليها و ضرب مثالا على ذلك بدراسة محمد القاضي لرواية التبيان لفرج الحوار و دراسة الطاهر رواينيه لرواية الموت و البحر و الجرذ لفرج الحوار أيضا و علق عليهما.

ثم تحدث عن احتفاء النقاد الكبير بمفهوم توظيف التراث مما دفعهم لاستخدام أدوات التعالق النصي لتفسير دور هذا التوظيف في بناء الرواية الجديدة، و عن انفتاح الرواية و النقد على نوعين من النصوص: الرواية التي تستغل منظومة النصوص الرمزية و تستثمرها في نسيج القص متأثرة بالرواية الواقعية السحرية ومستخدمة أصوات اللاوعي الجماعي و الحلم و الأسطورة و الكرامة لبناء عالم حكائي ساخر من الواقعية التسجلية فنزع النقاد الذين اتخذوا النقد الأسطوري منهجا قرائيا لفهم تقنيات التعالق بين النصوص منزعا تأليفيا بين الاتجاه البنيوي الشكلاني.

أما النوع الثاني من تلك النصوص فهي التي تستخدم لغات غير اللغة الطبيعية كالفنون التشكيلية و الأنظمة التصويرية و الخطابات القائمة على أنساق سيميائية جديدة كالسينما و المسرح و الرسم و الموسيقى فقد ساعدت هذه المراجع الفنية على فهم الصبغة الحوارية للرواية أي على فهم خصائص الحوار الثقافي في الجنس الروائي بصفته جنسا ملتهما لعامة أشكال التعبير في الثقافة العالمية الحديثة

و ختم المدخل بالإشارة إلى أن النقد الحواري في الدراسات الأجنبية و الغربية خصوصا لا يقتصر اهتمامه على ما ذلك بل يشمل عامة الحقب التاريخية في الآداب الغربية و مختلف الأنواع الفنية اللغوية و لا يختص بالرواية وحدها وضرب الأمثلة على ذلك ثم قال إن معنى كلامه أن المراجع النقدية التي يستلهم منها نقادنا أدواتهم المنهجية هي خلاصة مناخ فكري لم يتوفر بعد بيئة البحث عندنا

كما أشار إلى قطاع أدبي يشهد اهتماما متناميا من جهة الدراسات الحوارية و هو قطاع الرسائل الأدبية كما أشار إلى صدور بحوث عديدة في سردية الرسائل و أنهى المدخل بخلاصة حول هذا الموضوع و نماذج من البحوث العريية التي يرى أنها قيمة و لكنها لم تبلغ من التقدم ما بلغته الدراسات الغربية في حوارية المراسلات.

تعليق: أعاد المؤلف التساؤل الذي طرحه في المدخل الثالث ص95، و تبدو سمة التكرار و إعادة الفكرة بأكثر من أسلوب و طريقة سمة بارزة في الكتاب، ربما يعدها بعض القارئ سمة سلبية و لكني شخصيًا أعدها سمة إيجابية لتوضيح الأفكار توضيحا جليًا.

المدخل السابع “المناهج الاجتماعية بين سوسيولوجيا الخطاب و سوسيولوجيا النص” [من صفحة 155 إلى 165]

تحدث المؤلف في البداية عن الخلط عند بعض النقاد بين النقد السوسيلوجي و النقد السوسيونصي، ثم تحدث عن مدى الخلاف في مسألة صلة الأدب بالمجتمع و الاستشهاد بنص لرينيه ويليك و وارن أوستين، و أعلن اتفاقه مع بيار بربربيس في فقرة من مقاله عن النقد الاجتماعي تقول ان فكرة تفسير الأدب عن طريق المتجتمعات التي تنتجه عرفت عصرها الذهبي في فرنسا بداية القرن التاسع عشر، و ذكر أن الفكر النقدي الاجتماعي لم يتجذر تجذرا تاما إلا بظهور ردود الأفعال إزاء النقد البنيوي، و تحدث عن اعتماد الدرس الأدبي العربي المراجع البنيوية ذات الاتجاه التكويني أو التوليدي منذ أواسط السبعينات من القرن الميلادي الماضي، و معرفته لهذا الاتجاه بالنقد الاجتماعي، و لكنه متأخر نسبيا مقارنة بنشأته في الدراسات العالمية.

ثم تحدث عن الأصول الفكرية لنشأة النقد التكويني في الفكر الاجتماعي عبر المدارس الكبرى الثلاث الكلاسيكية و الرومنسية و الواقعية و مبدأ صفوية الأجناس الأدبية، و عن جورج لوكاش و تلميذه لوسيان قولدمان أبرز مؤسسي الرؤية البنيوية التكوينية أو المدرسة الجديدة في النقد الاجتماعي و أبحاثهم التي لم تقتصر على ربط البنية الأدبية و الفنية بالبنية الاجتماعية بل ميزت المذهب التكويني من الانعكاسي و توسعت في دراسة علاقة البنية الفكرية برؤية العالم.

ثم تحدث عن الدراسات العربية التي استفادت من هذا المصدر الفكري الأدبي حينما اعتمدت المراجع البنوية في دراسة عدد من المتون الروائية و قسمها إلى ثلاثة أقسام و تناولها بالنقد.

المدخل الثامن “من السيميائية التداولية إلى المقاربة الإدراكية” [من صفحة 167 إلى 182]

في التوطئة تحدث الرداءة و التبسيط للصورة في الدرس الأدبي التعليمي و جهود العالمين النفسيين فرنسيس جالتن و أ.أ ريتشارد في دراسة الصورة من ناحية الإدراك الذهني و تمكين المقاربة الإدراكية وسيلة المقاربة التداولية من قراءة الشعر بمجاوزة المنهج المثالي الذي يفصل الصورة عن المضمون و اللفظ عن المعنى كل ذلك من خلال بيت أبي ذؤيب المشهور: و إذا المنية أنشبت أضفارها.

في المقدمة تحدث عن علاقة الخطابة بالبلاغة حيث يرى أن ما كتب عنها قديما يهتم ببلاغة العبارة دون بلاغة السياق و خطط القول و ترتيب الحجج و تدرس مضامينها استنادا إلى المنهج الانعكاسي ثم انتهى إلى أن القيم التداولية أو الحجاجية هي المدخل الملائم بل الضروري لفهم أصول الخطابة و مجالها الأدبي ثم تحدث عن تنامي الدراسات التداولية العربية حيث اتصح للدارسين أن هذا المنهج يمكن أن يكون مفيدا في قراءة كثير من النصوص و ضرب مثالا على ذلك بتطبيق للبشير الوسلاتي على المقامة البغدادية لبديع الزمان الهمذاني.

ثم تحدث في بقية المدخل عن مفهوم التداولية: تعريفها، و استخدامها و مقارنة مدته عربيا و فرنسيا، و نشأتها، و هدفها، و تطبيقاته و نتائجها الإجرائية، و مكانة المنهج التداولي اليوم و انتظام مكوناته النظرية و الإجرائية. ثم انتقل إلى الحديث عن ترادف التداول و لاحجاج للاستدلال و المنطق في من خلال تعريفين مختلفين.

ثم تحدث عن استفادة دارسي الأدب العربي المحدودة من المنهج التداولي في دراسة الأجناس الأدبية بصفتها أعمال قولية في الأساس بسبب انصراف الدارسين عن الاهتمام بتداولية الأجناس الأدبية.

ثم تحدث عن الدراسات العربية التي يمكن قبولها نماذج تمثل استفادة الدرس الأدبي من منهج التداولية و علق عليها. ثم عاد و تحدث عن إعادة الفكر التداولي التفكير في وظائف اللغة و جهود إيميل بنسفت

و ختم بالحديث عن المساهمة في تأصيل المنهج التداولي و استغلاله في قراءة الخطابات الأدبية ذات القيمة التداولية إذا تمت المزاوجة بين قراءة الخطاب التراثي في مختلف علوم العربية و الحاصل المعرفي في مجال الحجاج كما لفت إلى ما يزخر به التراث العربي حول هذا الموضوع مع حرصه عن اجتناب المفاضلة بين الشرق و الغرب في أسلوب لا يخلو من إحساس بالنقص و الإحباط.

المدخل التاسع “النص الأدبي و مسألة التلقي” [من صفحة 183 إلى 220]

في المقدمة تحدث المؤلف عن ضرورة مدخل نظرية الأجناس الأدبية قبل التطرق إلى قضايا التلقي لأنه لا يمكننا أن نبني ملامح نظرية التلقي أو الاستجابة دون أن نظفر بعناصر ملموسة من القراءة و من ردود الأفعال و من توقعات القارئ أو تاريخ القراءة و ردود الأفعال، ثم تحدث عن اختلاف الرؤى في تناول قضية التفاعل بين الأثر و القارئ و الزوايا التي يمكن تناول هذه القضية منها، ثم اختار قضية التصنيف الأجناسي من القضايا التي يمكن إنماؤها إلى نظرية الأجناس الأدبية، و يعني بالتصنيف مستويين كبيرين: الأول/ تحقيب الأطوار التاريخية من جهة الأنواع الأدبية و صيرورتها الثقافية و الجمالية و ما يتولد عنها من مشاكل التقبل و التقاليد التواصلية. و الثاني تصنيف الإنتاج الأدبي حسب الأجناس الأدبية للتي تنتمي إلى الاتجاهات الفكرية و الفنية.

ثم تحدث عن الغاية من التصنيف و وظيفته ليخلص إلى القول إن نشاط التصنيف في دراسة الأجناس الأدبية يمكن أن يمنحنا صورة مجملة عن طبيعية الفكر الذي يسوس هذا التصنيف و يميزه و يساعدنا على فهم الخصائص المعرفية لذلك الفكر، و أشار إلى سعيه في تصنيف الأجناس الأدبية إلى التأليف بين النظريات و اختيار أهم المراجع، و هو سعي لا بد منه.

ثم تحدث عن تقاليد تلقي الأدب عن القدامى و بدأ بملحوظة منهجية تتعلق باختلاف تلقي القدامى للأجناس الأدبية باختلاف العصور الفكرية و الأدبية، و تعقد ظاهرة تلقي الأجناس الأدبية الذي يحول دون استقراء كافة السياقات التي يظهر فيها وعي الخطاب النقدي القديم بقضايا الأجناس الأدبية، و طريقة القدامى في اعتماد الجنس الأدبي و تصنيفه و مستندهم في ذلك.

ثم قسم تلقي القدامى بحسب أجناس الأدب القديم:

جنس القصيد

فتحدث فيه عن حركة التدوين التي كان لها دور حاسم في رسم معالم جنس القصيد بصفته أفق تقبل ثقافي و عن منازع الرواة و أعلام المدونين في كتب المختارات و عن المعلقات بصفتها النموذج الأول الذي تم تقديمه للقارئ على أنها مجموعة من القصائد تمثل التجربة الجمالية و تأثر الجيل الثاني من النقاد بالأخبار المصاحبة للأشعار فنسجت حولها منظومة من الطقوس التقبلية ثم تحدث عن الآمدي و استقرار جمالية تقبل القصيدة و مجاوزة الملحوظات في كتب النقد الأفكار الجزئية إلى المبادئ العامة المتحكمة في نظم الأغراض الشعرية و النثرية ثم تحدث القاضي الجرجاني و جهوده في مد الصلة بين النظرية الأدبية و مفهوم القصيد، و سجل ثلاث ملحوظات، و مواصلة الحاتمي لجهود ابن طباطبا في مقارنته القصيدة بالرسالة، و ختم هذه الحديث عن تلقي القدامى بالحديث عن الرافد الثاني الذي استمد منه القدامى آراءهم عن القصيد بصفته جنس أدبي و هو الرافد اليوناني و خاصة وحدة الموضوع عن ارسطو.

المقام الخطابي

و تحدث فيه عن عناية الجاحظ بنقد الخطابة و توسعه في ضبط شروط الخطيب و أنواع الخطب و تأريخه لتقاليد تقبل الخطابة العربية و ما كان يقع فيه الخطباء من عيوب يتصل بعضها بالخطيب نفسه أو بالخطبة و قد أعاد حمادي صمود في كتابه التفكير البلاغي عند العرب بناء نظرية الجاحظ في الخطابة، ثم تحدث عن قدامة بن جعفر و وافق أحمد الشايب في تقويمه لجهود قدامة في أنه اكتفى بسرد هذه الأجناس دون أن يردها إلى أصولها العامة ثم تحدث عن تحامل ابن وهب على الجاحظ و عدم استفادته من آراءه في البيان و التبيين و أن تمييز ابن وهب بلاغة الخطابة من بلاغة الرسائل كان تمييزا جزئيا غير تجريدي.

مقام الترسل الأدبي

و تحدث في بدايته عن التحليل الذي قام به في كتابه الرسائل الأدبية و دورها في تطوير النثر العربي و الجهود التي بذلها القدامى في تعريف هذا المقام التلفظي مثل الجاحظ الذي أعلن ميلاد المقام الترسلي الأدبي و ابن قتيبة في أدب الكاتب الذي كانت مقدمته أولى المقدمات الواعية بأجناس الخطاب و صلتها بالمقام و المتخاطبين و القلقشندي في صبح الأعشى الذي جمع القواعد المعنوية للأزواج التفلظية الرسائلية و مواضعها العامة، كما أشار إلى ملحوظات علماء الأدب في المجال التطبيقي و تمييزها بين رسائل الكتاب و تقويمها و انتهى إلى أن الحاصل من هذه الملحوظات العامة أن النظر إلى إلى الخطاب الأدبي القديم من جهة التقبل و التنظير للأجناس الأدبية يوقفنا على الحاجة الملحة لإعادة قراءة هذا التراث كي نتمكن من كتابة خطاب مفهومي قادر على استيعاب نظريات الأجناس الأدبية الحديثة و نحت المفاهيم و المصطلحات الملائمة لدراسة الخطاب الأدبي و ختم بالإشارة إلى خطأ كثير من الأحكام العامة و الآراء الانطباعبة التي تكرر في الدراسات الحديثة فيما يتعلق بالأجناس في النظرية الأدبية القديمة.

ثم تحدث عن تلقي المحدثين للأجناس الأدبية القديمة فأشار في البداية إلى دراسات صدرت في العقود الأخيرة أعاد أصحابها النظر في الأجناس الأدبية من زاوية نظريات أجناسية مختلفة ثم أشار إلى تمييزه في عمله بين المناهج التي يمكن تأصيلها في قراءة الأدب العربي القديم و مناهج دراسة الأجناس الحديثة و اقر بما في هذا التمييز من اعتساف و انتقائية و لكنه برره بان التفكير في مسألة إثراء الدرس الأدبي بالعناصر المنهجية الملائمة لقراءة التراث و المهمة هذا المجال لم يتم استغلالها بعد، و أشار إلى استبعاده ثلاثة مداخل تصنيفية هي التصنيف اليوناني و القائم على نظرية الأساليب الثلاثة الرفيع و الوسيط و الوضيع و التصنيف الثنائي القائم على التمييز بين الشعر و النثر و قدم تصنيفا يظن انه يقدم لأول مرة و هو تعريب لنظرية اندري يوليس في كتابة الأشكال البسيطة التي طبقها المؤلف محمد القاضي على نظام الأخبار الأدبية في التراث العربي في كتابه الخبر في الأدب العربي.

ثم تحدث عن تصنيف الأجناس الأدبية الحديثة و مناهج الدراسة التاريخية و أشار في البداية إلى اقتصاره في دراسة صلة المنهج التاريخي بتصنيف الأجناس على الجنس الروائي نظرا إلى تواضع تطبيق هذا المنهج على سائر الأجناس غير الروائية ثم فرق بين مفهوم النوع النظري او الجنس الأدبي و مفهوم الأثر و ضرب الأمثلة على ذلك ثم تحدث عن اهتمام الدارسين الغرب بقضايا التصنيف و منهج تحليل الأدب وفق التصورات الأجناسية و مواكبته لجميع المراحل التي تم فيها تعريب المنهج ضمن الدراسة الأدبية ثم سجل ملحوظة على أعمال الجيل المؤسس لنظرية الرواية العربية أو للعناصر الأولى من هذه النظرية و يتصدره عبدالمحسن طه بدر ثم حلمي بدير هي أنها لا تصدر عن نظرية من نظريات الأجناس الأدبية واضحة المعالم صارمة المقومات بل لا تخلو من انتقائية و تبسيط و شرحها ثم طرح تساؤل مناهضي الدراسات الأجناسية و التصنيفية عن جدواها و أجاب عليه مبينا مدى أهمية قراءة الرواية في ضوء مقولة الجنس الأدبي مستشهدا بتساؤل الباحث محمد القاضي و ختم بالإشارة إلى تعسر الاشتغال بالتصنيف كلما تقدم الزمن و تنوعت التجارب الروائية و وضح أسباب ذلك بالأمثلة.

المدخل العاشر “المنهج الأغراضي” [من صفحة 221 إلى 239]

تحت عنوان المدخل كتب المؤلف في الحاشية تفريقا بين الغرض و الموضوع و المعنى و في المتن تحدث عن تقسيم حازم القرطاجني في تصنيف الأغراض و تعريف الغرض ثم انتقد من يخلطون بينهم بالأمثلة على ذلك ثم انتقد الذين يخلطون بين الدراسة الموضوعاتية و النقد الاغراضي بالأمثلة و أشار في الختام إلى ضرورة الربط بين المنهج الأغراضي و سائر الدراسات النفسانية.

و الحق تذكيرا بهذا المدخل تحدث فيه عن تواضع الدراسات العربية التنظرية و التطبيقية في المنهج النفساني رغم الدراسات العربية رغم اقراره بقيمة الدراسات الرائدة فيه و خص كتاب عزالدين اسماعيل “التفسير النفسي للأدب” بمزيد من الحديث كما تحدث عن مقال مارسال ماريني المشهور المنشور ضمن سلسلة عالم المعرفة الكوبتية الذي استعرضت فيه مراحل تطور علم النفس التحليلي خلال قرن من الزمان، و عن إسهام الباحثة جوليا كرستيفا في اهتمامها بالتحليل السيميائي و ربطها بين علم الدلالة و علم التحليل النفسي و عن تخليص عمر أوكان لأصول المنهج النفساني في التراث العربي، و عن مقدمة ابن قتيبة في التأسيس النظري لمبنى القصيد حيث عدها اللبنة الأولى في تاريخ كتابة المنهج الأغراضي، و فصل القول في عبارته “و ليس لمتأخر الشعراء أن يخرج عن مذهب المتقدمين …” التي فهمها بعض النقاد فهما خاطئا، و تحدث عن الشعرية النفسية و أنها منهج جامع في أصوله النظرية بين الاهتمام بالبعد النفسي في دراسة الأدب و الاستناد إلى البعد اللغوي في بناء الموضوعات و سجل ملاحظة هي أنه من المناهج المهمة التي يمكن تأصيلها في دراسة القصيد القديم بصفته جنس شعري غرضي و شرح ذلك، و ختم بالحديث عن التجارب العربية الناجحة في نقل الأصول النظرية للمنهج النفساني و تطبيقها على النصوص الأدبية العربية.

المدخل الحادي عشر “الشعرية التوليدية و البنية الأغراضية” [من صفحة 241 إلى 252]

حاول المؤلف فيه من خلال الشعرية التوليدية و هي حقل معرفي يجمع بين النظرية التوليدية النحوية أو الإبداعية و النظرية الأغراضية الوصول إلى البنية الأغراضية في القصيد القديم ذات البناء الثلاثي الذي يدل على ترابط العناصر ترابطا نحويا و غرضي و ليس بيولوجي كما يعتقد القائلون بالوحدة العضوية، مع إقراره بدور الشفوية في صنع وحدة البيت التي تضمن روايته و سيرورته، و قد استخدم أدوات مثل البنية السطحية و البنبة العميقة أو النص الظاهر و النص المنجب، و قد تحدث عن هذه المصطلحات في الهامش، و محدد الخصائص المميزة للنصوص الشفوية، و ممثل على كل ذلك بأبيات من الشعر الجاهلي و قصيدة لأحد الصعاليك، و ختم بخلاصة هي أن الوحدة الحقيقة في القصيد هي الوحدة الأغراضية أي الوحدة النفسية الاجتماعية التي تكتب من خلالها تجربة الشاعر بل ذاته و وجدانه في مرحلة ما من حياته.

المدخل الثاني عشر “المقاربات اللسانية و الأسلوبية” [من صفحة 253 إلى 322]

و هو أكبر مدخل كما ترون [69صفحة]، و قد قسمه المؤلف إلى قسمين: نظري و تحدث فيه عن أهم المقولات الأسلوبية البنيوية الممكن اعتمادها في قراءة النص الأدبي فابتدأ بملحوظات عامة تمهيدية ثم تحدث عن الأسلوبية و اللسانيات و عن أهداف الدراسة الأسلوبية و عن مسالك البحث الأسلوبي ثم تحدث عن أربعة مكونات إجرائية في الدراسة الأسلوبية و هي: العدول و السمة المميزة و مبدأ الإفادة و الانسجام

ثم تحدث عن انفتاح التحليل الأسلوبي على المنهج السيميائي و يقصد بذلك المعجم الأدبي الشعري، ثم ختم القسم النظري بالحديث عن المتخيل الشعري أو نظام التمثيل.

أما القسم التطبيقي فقد حاول فيه تطبيق ما سبق الحديث عنه في القسم النظري على قصيدة أبي الطيب المتنبي في مدح سيف الدولة “على قدر أهل العزم” تحت عنوان “المناهج الأسلوبية و النص الشعري القديم: حكاية الملحمة بين الشعرية و الخطابية” فتحدث عن نظام المسموعات أو موسيقى الأصوات و عن المعجم الشعري و عن مظاهر العدول السياقي و عن السمات المميزة للتخييل، و ختم القسم التطبيقي ب”نهاية المطاف”، و كتب خاتمة للمدخل تحدث فيها عن النقد الثقافي حيث يعتقد أن الفكر التنظيري العربي غير قادر في الوقت الراهن على إضافة حاصل معرفي ذي بال في هذا المجال، و رأى أننا بحاجة إلى عدة مطارحات صريحة يتم من خلالها التمييز بين الدرس العلمي المؤسس على أصول نظرية ثابتة و المعارف العامة الناتجة عن مثاقفة سطحية و رغبة جماعية لا واعية في ردم الهوة السحيقة بين الشرق مهما كلف الثمن و لذلك آثر أن يتواضع إزاء تحديات الخطاب الأدبي و يعد الدراسات الأسلوبية و التداولية و التقبلية و الأغراضية النفسية حاصلا معرفيا كافيا لهضم هذه المناهج و خلفياتها المعرفية في انتظار أن نسهم في تأصيلها إسهام المبدعين لا المقلدين

تعليق: في هامش صفحة ٣٠٤ ذكر المؤلف أن المقاطع الصوتية ثلاثة أنواع فإذا كان يقصد المقاطع العربية فالصحيح أنها ستة أنواع.

و في صفحة 315 يقول: “و لكنه فخم الصورة باستعمال صيغة الجمع في المضاف و المضاف إليه على السواء (الموج و المنايا)” فربما وهم المؤلف أو لم أفهم مراده.

المدخل الثالث عشر “في مناويل الدراسات الأدبية” [من صفحة 323 إلى 362]

و قد بدأه المؤلف باقتباس لسعيد يقطين عن حاجة الفكر العربي السردي إلى التبلور و التأسيس باعتماد إطارات نظرية صارمة و محددة و قد شرح المؤلف في الهامش ماذا يقصد بالمنوال أو الطراز ثم اتبع هذا الاقتباس بملحوظة عن الفكر السردي العربي و أن الأعمال القولية هي الأساس في التصنيف و وضح أنه لا يدعي أن هذه المناويل المنهجية المشتقة من النظريات اللسانية الأدبية التي يقدمها في هذا المدخل يمكن أن تكون قوالب جاهزة قابلة لاستيعاب التجارب الأدبية و أنها يمكن أن تسلب الباحث الجاد حريته و مبادرته في تحليل النصوص و تذوقها و مساءلتها و إنما يمكن أن يستخدمها لتصنيف النصوص و اختيار المناهج الممكن اعتمادها وجهة نظر أو زاوية من زوايا القراءة يحاور بها غيرها و أنها مهما تكن نجاعتها في قراءة هذا الجنس الأدبي أو ذاك تظل مساءلة خلافية و إشكالية و قابلة للتطوير و التنقيح

ثم تحدث عن جهود الإبداع الفكري في مجال دراية النصوص الأدبية و تصنيفها و تقريبها من القارئ و ما يصرفه الدارسون من طاقات لمواكبة الثقافة العالمية في هذا المجال إلا أن هناك خلطا كبيرا بل محرجا للغاية في تطور استخدام المناهج الحديثة و أن أغلب الدراسات التي تصدر في الفضاء الثقافي العربي ليست وثيقة الصلة بقضايا التعريب و التأصيل الفكري و يعتقد أن الإبداع الأدبي في ذاته سبب من أسباب عجز الفكر الأدبي عن إبداع نظرية توازي نظريات الأدب الحديثة و تحاورها محاورة الند و أن الصبغة الاخييارية و النظرة التجزيئية و الدراسات النماذجية المحدودة لا تزال مهيمنة على الثقافة الأدبية العربية ثم تحدث عن مظاهر ذلك ممثلا عليها بتعريب الدارسين العرب للبنيوية التكوينية و المنهج الأنتروبولوجي من أمثال كمال أبو ديب و علي البطل و تعريب المنهج الشكلاني عند فدوى مالطي دوقلاص

ثم تحدث عن المناويل الدراسات الأدبية و هي: المنوال لتاريخي و المنوال البنيوي و المنوال الاجتماعي و المنوال الأغراضي و المنوال الحجاجي التداولي و المنوال النفساني و عرض في كل منوال نماذج من الأدب العربي يمكن دراستها من خلاله، ثم ختم بثت لأهم المصطلحات الواردة في الكتاب و هي 23 مصطلحًا. ] من صفحة 362 إلى 374[

تعليق: يبدو ثبت المصطلحات جزءا من هذا المدخل لأنه متصل به دون فاصل في الصفحة، و الواجب أن يكون ثبت المصطلحات مستقلا، فربما كان ذلك خطأ من قام بصف الكتاب.

أخيرًا [من صفحة 375 إلى 383]

ختم المؤلف كتابه بصفحات أوجز بعض الأفكار العامة التي طرحها في المداخل السابقة، كما أوجز فيها مراده بهذا الكتاب حيث يقول: “بل طمحنا أساسا إلى متابعة حركة الفكر الأدبي و هو يسعى إلى بناء نفسه، و إلى البحث عن هويته المعرفية في لجج الفكر الإنساني الحديث، و قد قدمنا خلاصة تأليفية لواقع البحث العلمي في مجال الدراسات الأدبية، و علمنا على وصف جانب مهم من المناهج المعتمدة في هذا المجال، و إننا صدرنا على رأي نعتقد نجاعة الاعتناء به و تطويره و إثرائه، و إنجاز دراسات عديدة في إطاره، و مؤدى هذا الرأي أننا بحاجة في هذه المرحلة من تاريخ البحث العلمي الحديث في مجال اللغات و الآداب و العلوم الإنسانية إلى تقويم الحاصل المعرفي و الإنتاج الفكري الذي أنجزه العقل العربي خلال أكثر من قرن، و إلى فهم الآليات التي يشتغل بها فكرنا، و إلى تقويم مدى قدرته على مجازوة مرحلة الاستهلاك و التأثر و المثاقفة إلى مراتب الإبداع و الإسهام في بناء المعرفة و إنتاجها” ص377.

و ختم بالحديث عن التضخم الاصطلاحي الذي يعاني منه الخطاب النقدي العربي، و سرد قائمة بمراجع منتقاة، ثم فهرس الكتاب.

تعليق: يوجد في الكتاب أخطاء في الطباعة، و أخطاء في ترقيم الفهرس.

رأيي الشخصي في الكتاب:

بصراحة قبل أن أبدأ في قراءة الكتاب لم أكن أتوقع أن أفهم جميع ما فيه؛ لذلك وضعت لنفسي شرطًا رأيته معقولاً، و هو أن أفهم على الأقل نصف ما فيه حتى استمر في قراءته، و أن أتوقف عندما أشعر أني لا أفهم أقل من نصف ما فيه، و أعود لقراءته لاحقا عندما أجد نفسي مهيئًا لفهمه و استيعابه، و قد كنت حريصًا على قراءته منذ رؤيته لعدة أسباب منها: أن الكتاب لعلم من أعلام الأدب و النقد شرفت بالدراسة بين يديه، و عرفت سعة علمه و اطلاعه، و منها أنه أكرمني و زملائي بإهداء نسخة موقعه منه فشكرًا جزيلاً له على كرمه و لطفه، و منها أنه الكتاب يتحدث عن المناهج فهما و تطبيقا و أنا مقبل على بحث تكميلي ربما أختار فيه أحد هذه المناهج، فمن الجيد لي الاطلاع على رأيه في التطبيقات المنهجية و الأخطاء المعرفية و التطبيقية التي يقع فيها الدارسون، و قد أفدت منه كثيرًا و لله الحمد، بالإضافة إلى أني وجدت في الكتاب الكثير من الأفكار البحثية الجيدة.

 


[1] – باحث و ناقد تونسي.

بواسطة صالح الهزاع

مدون سعودي

6 تعليقات على “الخطاب الأدبي و تحديات المنهج”

جهدٌ مشكور ياصالح (f)

مقالك يعطي تصورا واضحا عن الكتاب، وملخصا مركزا ، بعض المداخل في الكتاب تستلزم معرفة مسبقة بالمنهج أو النظرية المُتعرض لها، وانعدام الخلفية الكاملة جعل الكتاب في بعض نواحيه عسيرا..
مع أن فائدته تغطي هذه الصعوبة وتستحق الجهد المبذول في القراءة ..

لا أحب كتب أهل المغرب العربي ، فالغموض يقف حائلا بينك وبين الفهم مما يرهق العقل دون فائدة تذكر ..مع احترامي الشديد لهم.

*ميّ:
أهلا و سهلا بك، شرفت بمرورك

* …؟:
اختلف معك، لأهل المعرب العربي الباع الأطول في مناهج الدراسات و النظريات الأدبية الحديثة
ربما يجد المرء صعوبة و لكن لن يخرج دون فائدة

لواننا لم نفترق

لو اني كنت اعرف والرحيل يشدنا

اني اودع مهجتي وحياتي……..
ما كان خوفي من وداع قد مضي

بل كان خوفي من فراق آتي

لم يبقي لي من شئ منذ وداعنا

غير الجراح تأن في كلماتي

لو اننا لم نفترق….

لبقيت في زمن الخطيئة توبتي

وجعلت وجهك قبلتي وملاذي

😉 لا تنسى العيدية فالعيدية الخاصة بنا هي مدونة ثالثة ان شاء الله . . .

أكتب تعليقك

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: