التصنيفات
كتب وقراءات

يوميات غادة عبدالعال

انتهيت من قراءة كتاب “عايزة اتجوز” للمدونة المصرية غادة عبدالعال، النسخة التي بين يدي الطبعة التاسعة أغسطس ٢٠١٠ عن دار الشروق، اشتريتها قبيل شهر رمضان الماضي، و لم أقرأها في ذلك الوقت لأني علمت أنها تحولت لمسلسل سيعرض في شهر رمضان من تلك السنة، و لكني لم أتمكن من متابعة المسلسل كاملا أيضا، شاهدت بضع حلقات غير مكتملة، فقررت قراءته في أقرب فرصة، ثم نسيت الكتاب حتى وقع نظري عليه قبل أيام.

الكتاب في الأصل تدوينات كتبتها الكاتبة في مدونتها على الانترنت التي تحمل نفس عنوان الكتاب، ثم جمعتها و نشرتها، و يبدو أن مدونتها لقيت شهرة شجعتها على نشر تدويناتها في كتاب يمكن أن نصنفه على أنه يوميات شخصية، و يبدو أيضا أن الكتاب لقي قبولا بدليل وصول طبعاته إلى تسع و تحوله إلى مسلسل، و يبدو أن المسلسل زاد المؤلفة شهرة فظهرت في أكثر من قناة فضائية.

أكثر ما ضايقني في الكتاب هو أنه كتب باللغة الدراجة و باللهجة المصرية تحديدا، و رغم كونها لهجة محبوبة لشعب عربي محبوب إلا أنها لا تصلح كغيرها من اللهجات في أي وعاء مقروء من أوعية نشر الثقافة و المعرفة و الأدب، ربما تصلح لكتابة سيناريو – و لذلك أعتقد أن السناريست لم يجد صعوبة كبيرة في العامل مع نص الكتاب – و لولا ظرافة أسلوب الكاتبة لما استطعت متابعة القراءة، و هو أسلوب ساخر من كل شيء حتى من الذات، يخالطه حوار معها أحيانا، و ربما وصل في سخريته إلى السخرية السوداء المرة و لا غرابة.

إنه الأسلوب الذي يختاره المصريون في مواجهة مشاكلهم المستعصية، و تختاره شعوب عربية أخرى لها مشاكلها المقاربة، و كلنا في الهم شرق، و بقدر ما يحمل هذا الأسلوب في ظاهره من يأس و قنوط شديدين، و محاولة بائسة من تسلية النفس تفلح في التخفيف عنها أحيانا، إلا أنه يبطن في أعماقه الثقة في النفس، و التفاؤل بأن الأمور ستغدو أفضل مما هي عليه مستقبلا، و أن المعاناة ستنسى و لن يتبقى منها إلا ضحكات على بضع نكات.

في الحقيقة ليس ظرافة الكاتبة هو أكثر ما أعجبني فقط، و إنما صراحتها أيضا، فمن يجرؤ على الحديث عن مشكلة شخصية علنا، لا سيما إذا كانت المتحدثة امرأة في مجتمع عربي، و كانت هذه المشكلة تتعلق بأمر له حساسيته المفرطة، و هو الزواج و العنوسة في بيئة الكاتبة، و حديثها عنهما يجرى على كل بيئة أخرى مشابه، و الحديث عن الزواج موضوع شائق لكل شاب و شابة لم يتزوجوا حيث تنسج الأحلام و ترسم الطموحات و تطلق الأمنيات كحمامات بيضاء في سماوات التفاؤل.

وأما الحديث عن صعوبات الزواج والعنوسة فهو حديث تنقبض له النفوس، ويحوطه الحرج، وتبهم الألسن فيه ولا تفصح، مع أن الصراحة لازمة وضرورية في طرح ونقاش أي قضية أو مشكلة خطيرة وحساسة مثلها، والوصول إلى حلول فيما بعد فضلا عن تصور دقيق لها، و إلا فإن الطرح و النقاش سيكون علكا و لوكا للكلام بلا جدوى، و طوافا حول المشكلة و ليس دخولا في عمقها و صغائر تفاصيلها، و لكننا لا نلجأ إلى الصراحة فيها إلا إذا تفاقمت المشكلة مع الأسف.

عناوين الكتاب يمكن أن نقسمها إلى قسمين: قسم معدود من الأول إلى العاشر، و تقصد به عدد الرجال الذين جاؤوا في زيارة تعارف من أجل الخطبة و تغلب عليها السخرية اللغوية في التلاعب في بالألفاظ و السخرية التصويرية الكاركتورية، و يمكن أن نعد كل عنوان حكاية مستقلة، و هو عامل مساعد آخر للسيناريست يسهل عليه تجزئة المسلسل إلى حلقات، و القسم الآخر عناوين مختلفة تمثل استراحة من السرد، تناقش فيها الكاتبة أفكارا تتعلق بالعنوسة و الزواج و التربية و المجتمع، و فيها تكون الصراحة أكبر، و الجدية أكثر و الطرافة و السخرية أقل.

ثقافة الكاتبة الفنية تبرز من خلال الاستشهاد بالممثلين و الأفلام و المسلسلات، و تتأثر هذه الثقافة في الكتاب قليلا بتخصص الكاتبة العلمي و مجال عملها المهني، و هو الصيدلية، و تخالط الكلمات الاجنبية اللهجة الدارجة المصرية، و لولا خاتمة الكتاب التي كتبها المؤلفة باللغة العربية الفصيحة لقلت إنها عاجزة عن الكتابة بالعربية الفصيحة ربما، و لكنها طرحت أمام عيني سؤالا كبيرا يتجه إلى الكاتبة ذاتها، إذا كنت تستطيعين الكتابة باللغة العربية الفصيحة فلماذا الكتابة بالدارجة المصرية؟

ربما يبرر بعضهم ذلك بأن ما كتبته كان معدًا للنشر في الإنترنت في الأصل، و لكني ذلك غير مقنع؛ لأن الإنترنت شبكة عالمية يطلع على ما فيها العرب مهما كانت لهجاتهم، فمن المفترض أن توحد هذه الشبكة لهجاتنا تحت مظلة العربية الفصيحة لا أن تكرس اختلافها، بالإضافة إلى أن الكتابة باللغة العربية مساهمة في إبراز هوية أمتنا العربية بين الأمم.

ما مدى قرب الكتاب من القراء العرب، و ما مدى قرب مشكلة الزواج و العنوسة في مصر بغيرها من البلدان العربية، و في بلدنا خاصة، آخر الإحصائيات تشير إلى ارتفاع نسبة الطلاق و انخفاض نسبة الزواج، كم عدد العوانس في بلدنا، و ما هو معيار العنوسة، و ماذا فعلنا تجاه هذه المشكلة، أم أننا غافلون عنها و سيأتي اليوم الذي نقرأ فيها النسخة السعودية؟ إن كان هناك من سيفعلها فأقول لها أرجو أن لا تكون بالدراجة السعودية حتى لا تخسر اجتماعيا و لغويا، فتكون خسارتها مضاعفة.

وأخيرا،  ربما يعتقد كثير من الشباب أن الكتاب لا يعنيهم، و أنه خاص بالفتيات، و لكني أعتقد أنه يعني الشباب أيضا، و ربما تكون فائدتهم أكثر من الفتيات، لأن الفتاة ربما تعرف شعور فتاة أخرى تجاه شيء معين، و لكن الشاب قد لا يدرك كيفية تفكير الفتيات، و طبيعة نظرتهم للزواج و العنوسة، و تفاعل مشاعرهن  مع هذه القضية، و قد أفدت منه شخصيا فائدة جعلتني متعجبا من خفاء ذلك علينا معشر الرجال.

إن للمرأة مشاعر يجب أن تدرك حتى تراعى، و لدى كل واحد منا أخوات و ربما بنات يخجلن من البوح له فيتساءل كيف أعرف أولاً حتى أراعي؟ في هذا الكتاب صفحات من البوح الذي سوف يساعدنا بالتأكيد في التعامل مع مشاعر الرقيقة اللطيفة للمرأة، وليس لأحد بعد الاطلاع عليه حجة ولا مبرر لتجاهل هذه المشاعر إلا أنانيته، ربما تختلف البلدان والأسماء والأشخاص، ولكن تتشابه المشاكل وتتقارب المآسي والمعاناة.

بواسطة صالح الهزاع

مدون سعودي

3 تعليقات على “يوميات غادة عبدالعال”

لم اقرأ الكتاب لكن شاهدت كم حلقه القصه ظريفه اتفق معك
المشكله حتى في الوكيبيديا المصريين انفصلوا لوحدهم صار فيه لغه عربيه و لغه مصريه
والمشكله الاكبر اننا صرنا نضحك على من يتكلم الفصحى
اشكرك

صباح الخير يا أبو زياد

حبيت اصبح عليك واقول لك كل عام وانت بخير ومن العايدين

اخوك سعد الاحمري (f)

إلى من قطف الإبتسامة
وطبعها على أحزاني
إلى من علمني هندسة العبارة
وكسر حواجز قلمي
إليك أرسل مسجي
قبل كل البشر أعايده
كل عام وإنت بخير
😉

أكتب تعليقك

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: