التصنيفات
كتب وقراءات

رواية الكرنك للروائي المصري نجيب محفوظ

تعد “الكرنك” واحدة من روايات الروائي المصري نجيب محفوظ التي تحولت إلى أفلام سينمائية، و لأن لدي هواية غريبة نوعًا ما ربما تشاركوني إياها، و هي المقارنة بين الرواية قبل أن تمثل و بعد أن تمثل، أي المقارنة بين عمل الروائي الأصلي و عمل السينارست الذي تصرف فيها حتى تكون مناسبة أكثر للتمثيل و الإخراج السينمائي، هل كان عمله جيدًا؟ هل جعل الرواية تبدو أفضل، أم أنه أفسد الرواية – إذا كانت الرواية في الأساس جيدة – ؟.

لا بد من الإقرار في البداية أن هذا فن أو جنس أدبي و ذاك فن أو جنس أدبي آخر، و أقصد بذلك الرواية والسيناريو حتى نعرف أننا نقارن بين فنين أو جنسين أدبيين، وأن لكل منهما خصائصه ومميزاته وبلاغته، ولكن السيناريو غير معترف به حتى الآن فنًا أو جنسًا أدبيًا في العالم العربي على حد علمي القاصر، ولا أدري ما الفرق بينه وبين النص المسرحي حتى نقبل هذا ونرفض ذاك، أليس النص المسرحي نصًا أدبيًا يكتب ليمثل، والفارق الوحيد بينهما هو أن هذا يمثل على المسرح ليشاهده الجمهور وذاك يمثل ليسجل بالكاميرا ليشاهده الجمهور بعد منتجته، وعلى كل حال فهذا ليس موضوعنا، وإنما هي إضاءة عابرة على جانب ما يزال مظلمًا، ولكنه مهم بالنسبة إلى السرد جدًا، وأظن أن اختراع آلة التصوير المتحرك في العصر الحديث قد أسهم إسهامًا ما في تطور علم السرديات، كما أسهم اختراع المطبعة في نشأة الرواية.

لنعد إلى “الكرنك”، ما الذي غيره السينارست فيها؟ أجيب بعد أن شاهدت الفيلم و قرأت الرواية فأقول: إنه غير الترتيب الزمني لعرض للأحداث، تبدأ الرواية من نقطة الانطلاق بداية هادئة حتى يوهم الروائي القارئ بأن لا شيء حدث قبلها، ثم تتصاعد الأحداث، و في منتصف الرواية تقريبًا يعود عودة بعيدة إلى الوراء، إلى نقطة سابقة للنقطة التي انطلق منها، أما الفيلم فيبدأ معتمدًا على الومضة الورائية “الفلاش باك”، ثم يبدأ من نقطة اللاشيء التي بدأ بها الروائي، و تتوالى الأحداث على نسق التتابع، و لا شك أن تقنية الومضة الوارئية تضفي على النهاية نكهة إذا ما عرف المشاهد أن ما شاهدة في البداية كان هو النهاية، و أظن أنها تقنية سينمائية قبل أن تكون روائية.

أما على مستوى الشخصيات فقد ركز السيناريست أكثر على شخصية “إسماعيل” و “زينب”، أضاف لشخصية “حلمي” بعدًا اجتماعيًا أغفله الروائي، و هو ما امتدحه للسينارست و ما انتقده على الروائي، ضخم محاولات “زين العابدين” مع “زينب” فجعلها حادثة وقعت بالفعل، و هو شيء قد يختلف حوله المتلقون ما بين مؤيد و معارض، أي أنه قابل للنقاش من وجهة نظري، الشيء الأخير أنه حذف زيارة “خالد صفوان” للمقهى في النهاية، و هي النهاية التي لا أراها واقعية و منطقية و طبيعية و متناسبة مع طبائع النفوس البشرية، و لا شك أن نهاية الفيلم أكثر إيجابية من نهاية الرواية، و هو ما يريده المشاهد العربي على كل حال.

و لعل أكبر تغيير أجراه السينارست هو حذف الراوي الذي كان يقود دفة السرد في الرواية لأن الكاميرا استطاعت أن تحل محله بسهولة، و لعل في ذلك تأييدًا على أن الراوي كان يمثل البؤرة السردية في الرواية، فوظيفته في الرواية لم تتعد كونه شاهدًا على الأحداث أكثر من كونه مشاركًا فيها، ربما يفتقد المتلقي لتعليقاته أكثر من ملامحه و حضوره؛ لأن حضوره في الرواية كان ضبابي الملامح إلى حد ما، فلم يهتم الروائي ببعده الجسمي و الاجتماعي كما اهتم ببعده النفسي و الفكري، ما الذي فقده النص بعد تمثيله غير تعليقات الراوي؟ لا أعتقد أنه فقد الكثير؛ لأن الروائي في هذه الرواية لم يكن حريصًا على بلاغة العبارة أكثر من بلاغة الرواية، و هي بلاغة جنس أدبي حيث يكون العمل الأدبي كُلاً مكتملاً، يؤدي كل جزء فيه مهمته في خدمة الفكرة العامة للرواية، و المغزى منها. و للتعرف أكثر على بناء الرواية الفني اطلع على التحليل الموسع الذي قمت به من هنا.

بواسطة صالح الهزاع

مدون سعودي

أكتب تعليقك

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: