كتاب للوزير السابق[1] غازي بن عبدالرحمن القصيبي رحمه الله، صدر قبيل وفاته[2]، ونال شهرة وإقبالا بعد صدوره أكثر من أي كتاب آخر صدر للقصيبي لسببين: الأول/ أن مؤلفه توفي بُعيد صدوره، والثاني/ هو حديث القصيبي عن الرئيس الليبي، فقد تم تداوله بشكل كبير في الإنترنت لما حدثت الثورة الليبية، بل إن هناك من لم يقرأ من الكتاب إلا هذا الفصل، وهو في الحقيقة أطرف الفصول، وأعتقد أن القصيبي قد حلل فيه شخصية الرئيس تحليلا دقيقًا.
يمكن أن نقول بشكل عام عن الكتاب إنه عبارة عن “سيرة ذاتية” لجانب من جوانب حياة القصيبي المتنوعة، و هو الجانب المهني، و كان القصيبي قد تناول جوانب أخرى منها في كتب مثل “حياة في الإدارة”، كما كتب سيرته الشعرية في جزئين، و هو أسلوب طريف في كتابة السيرة الذاتية يسمح للكاتب بالتركيز على جانب من حياته، كما يسهل عليه كتابة سيرة ذاتية كاملة.
يتكون الكتاب من مقدمة و عشرة فصول في ٢١١ صفحة، من نشر “الدار العربية للدراسات و النشر” في بيروت، و الطبعة التي بين يدي الطبعة الأولى 2010م، كنت قد اشتريتها في منتصف شهر رمضان الماضي، فقد رأيتها مصادفة في مكتبة نادي الكتاب، و اقتنيتها رغم علمي أني لن أتمكن من قراءتها قريبًا بسبب خوفي من نفاد الكتاب من المكتبات[3].
يضم الكتاب حديثًا عن عدة رؤساء و سياسيين سابقين أبرزهم: الرئيسان الأمريكيان “ريتشارد نيكسون” و “جيمس كارتر”، و رئيسة وزراء الهند “إنديرا غاندي”، و الرئيس التونسي “الحبيب بورقيبة”، و المستشاران الألمانيان “هيلموت شميدث”، و “هيلموث كول” و الرئيس الليبي “معمر القذافي”، و ملكة بريطانيا “إيليزابيث” و الرئيس الفرنسي “متران” و الرئيس الأوغندي “عيدي أمين”، و القادة العرب في قمتي فاس في المغرب، و هو الفصل الأخير، و الأكثر إيلامًا و مرارةً.
ورغم غلبة الجدية على حديث القصيبي في السياسة إلا أنه لم يتخل عن ظرفه و إسقاطاته والتقاطاته و تعليقاته اللاذعة، كما تطل ثقافة القصيبي الانجليزية بين فصل و آخر من خلال “التعبير الانجليزي”، و قد كان حريصًا على شرح معاني كلمة من “المشترك اللفظي”، و لكن ماذا عن أصحاب الثقافة الفرنسية مثلاً، أو الثقافة العربية، أم أن الكتاب موجه بالدرجة الأولى للقارئ الانجليزي.
يقول القصيبي في مقدمة الكتاب إنه حرص أن تبقى الانطباعات كما دونها أول مرة “انطباعات أولى”، و وددت أنا لو حدثنا عن هذه الانطباعات “في ضوء التطورات” – كما يقول -، و لو كان ذلك في الهامش؛ فمع إيماني بأهمية الانطباع الأول إلا أنه قد لا يكون صحيحًا و صادقًا دائمًا، لاسيما و أنه أشار في حديثه عن أكثر من شخصية إلى المفارقة بين ما يشاع عنها و بين حقيقتها التي عرفها عن كثب.
أيضا تمنيت لو وضع الناشر صورًا لأهم الشخصيات المذكورة على الأقل حتى يكون الكتاب وثائقيًا بصورة أكبر؛ صحيح أن أغلب الأسماء تبدو مألوفة لكثرة ما كانت تتردد في نشرات الأخبار، و لكن قارئا في العقد الرابع من عمره مثلي ربما يجد صعوبةً في تذكر ملامح هذه الأسماء الجسدية، فما بالك بمن هو أصغر سنًا.
في معرض حديث القصيبي عن سيديّ البيت الأبيض ذكر “ووترجيت” و وصفها مرة بأنها معركة و مرة بأنها فضيحة، فليت المؤلف أو الناشر وضع في الهامش شيئا للتعريف بهذه الحادثة لقارئ عادي مثلي ذي ثقافة سياسية محدودة، لأن معرفة ذلك ستجعله يفهم المراد فهمًا أدق، و يبدو أن الكتاب صدر على عجل بدليل وجود أخطاء طباعية، و خاصة في الفصول الأخيرة منه.
في الكتاب أشار القصيبي إلى زوجته أكثر من مرة، و كثير من عشاق غازي لا يعرفون أنها ألمانية، و هو شيء لافت بالنسبة لي؛ لأنني من خلال قراءتي لنثره أجده نادرًا ما يتحدث عنها، و مقلاً في حديثه عن أسرته بشكل عام.
هناك نصائح عامة جميلة مبعثرة من القصيبي و غيره تهم الساسة و المسؤولين، منها على سبيل المثال: نصائح في تعامل الحكومات مع تغيير و تطوير الشعوب، و نصائح في تعامل المسؤولين مع الصحفيين و غيرها.
و هناك حقائق و وقائع و أحداث و مقولات نشرها القصيبي لا أعتقد أن نشرها يضر البلاد حكومة و شعبًا و سياسة خارجية، بل ربما يكون نشرها مفيدًا نافعًا، و ليت بعض المسؤولين يبوحون بما لديهم حينما لا يكون هناك ضرر من البوح؛ لأن ما لديهم قد أصبح جزءًا من التاريخ الذي لا بد أن يوثق و تعرفه الأجيال الحالية و اللاحقة.
أكثر ما أثر فيّ هو حديث القصيبي عن الملك فهد رحمه الله، و هو حديث مبثوث في الكتاب كله و خاصة الفصل الأخير، قد كنت أتمنى من القصيبي مزيدًا من الحديث عنه لما بينهما من علاقة متميزة كالعلاقة بين سيف الدولة و المتنبي، و لكن يبدو أن القصيبي قد غادر و في جعبته الكثير.
في الختام، هذه انطباعات القصيبي عمن لقيهم من الرؤساء و الساسة و المسؤولين المتنفذين، فما انطباعاتهم عنه يا ترى ؟! إنني أستعير أسلوب القصيبي في هذا الكتاب، و شغفه في استشراف ماذا سيحصل للناس في المستقبل، و ماذا ستكون ردود أفعالهم على ما يمكن أن يحدث، و أتساءل قائلاً: ماذا لو أدرك القصيبي الثورات العربية، أتراه سيكتفي بما قال أم سيبوح بأكثر مما قال!؟
[1] – لا أدري بماذا ألقبه و هو صاحب الألقاب الأدبية و المهنية المتعددة، و أي الألقاب الآن أحب إلى قلب أبي يارا يا ترى، ربما يحسن بي أن أقول: “الوزير السابق”؛ لأنه تحدث فيه عن نفسه بصفته وزيرًا.
[2] – نشر الكتاب في شهر يوليو، و توفي القصيبي في شهر أغسطس من عام 2010م.
[3] – شهدت المكتبات حمى شرائية لكتب القصيبي بعد وفاته رحمه الله، و من الطبيعي أن يكون هناك طلب على كتابيه “الوزير المرافق” و “زهايمر”؛ لأنهما آخر ما صدر له، و لكن الغريب هو أن تشمل الحمى جميع كتب القصيبي رغم توفرها في السوق من قبل، و كأن بعض القراء لم يكن يعرف ذلك، أو لم يكن يعرف القصيبي رغم ظهوره الإعلامي وزيرًا للدولة حتى أيامه الأخيره، بخلاف بعض الأدباء الذين يختفون إذا ما تقدم بهم السن لدرجة تجعل الناس ينسونهم فلا يشعرون بهم إلا حينما يتوفون.
4 تعليقات على “الوزير المرافق”
قراءة طيبه منك اخوي أبو زياد لكتاب قيم قد قرأت منه كثير من الصفحات لكاتب معروف ومحبوب جدا لدي – رحمك الله أبا يارا و وفقك الله أبا زياد 🙂
رحم الله غازي .. في كتابه استراحة الخميس تحدث عن عائلته حديثا يقودك إلى الضحك ويستدرجك إلى التعجب من هذا الأب الذي يجمع بين الحزم والرفق , أب يوقره الكبار ويبجلونه حد الرهبة و يأنس به الصغار ويمازحونه.
شكرًا أستاذ صالح فتحت أبواب الذاكرة لنلقي تحية على غازي .. (f)
قــــــرأت . . .
فــــــــــأبــــدعــــــــت . . . .
فـــــــــــتـــــألـــقـــــت . . . . . . . . . .
تــــقـــبــل مـــــــــروري
😉
دائماً تفاجئنا بالجديد الممتع
بارك الله فيك أستاذ صالح الهزاع