التصنيفات
خطوط وألوان

ضعف الإنسان

كثيراً ما أتوقف عند بعض الآيات الكريمة متأملاً لها ، خاصة إذا كانت تتحدث عن حقائق تتعلق بخلق الإنسان أو نشأة الكون أو الحياة أو الموت أو البعث، أقول حقائق لأننا نحن المسلمين نؤمن بأن القرآن كلام الله، وكيف لا أتوقف وقد كفانا الله مشقة التفكير في مسائل شقي بالتفكير فيها قوم كثيرون ومع ذلك لم يفدهم تفكيرهم بشيءٍ فضلوا وأضلوا، وعجزوا عن فهم حقيقة هذه المسائل التي لا يعرف حقيقتها إلا خالقها سبحانه، ولا نعرف عنها إلا بقدر ما أخبرنا الله به في كتابه الكريم، ومن أحسن من الله قيلاً.

من هذه الآيات قول الله عز وجل في سورة النساء: (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً).

إنها حقيقة قد تصدم كثير من الناس الذين يشعرون بالقوة، ويفتخرون بما وصلت إليه البشرية من حضارة، وما توصلوا إليه في العلوم والاكتشافات والاختراعات، حقيقة أن الإنسان كل إنسان ضعيف، برغم كل ما وصل أو قد يصل إليه، حتى لو تجبر وملك وحكم، سيظل ضعيفاً، ضعيفاً في نشأته، فقد خلق من نطفة من ماء مهين (ألم نخلقكم من ماء مهين . ‏ فجعلناه في قرار مكين‏ . ‏ إلي قدر معلوم‏ . ‏ فقدرنا فنعم القادرون).

وضعيفاً في علمه فهو لا يعرف حقيقة الروح التي تسكن في جسده، وتفارقه إذا مات (و يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)، وبرغم كل ما توصل إليه الإنسان في العلوم فلا نزال نسمع كل يوم عن اكتشاف جديد كنا نجهله بالأمس فكأن الله يريد بتدرجنا في العلم أن يذكرنا باستمرار بعجزنا وجهلنا (والله خلقكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً ).

ثم إن علم الإنسان ظني، وليس قطعي بسبب ضعف إدراكه ومحدودية حواسه فقد يتصور الإنسان الشيء البعيد قريباً، والقريب بعيدا، والمتحرك ساكنا، والساكن متحركا، ويروى أن الإمام مالك إذا استفتي أفتى وقال: ( إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين).

ثم إن علمه بعد ذلك معرض للنسيان والضياع، فكم من حضارات قامت ثم تلاشت، ولم تبق إلا أثارها التي ما زلنا حتى اليوم عاجزون عن تفسيرها وتصور كيفية تطورها، وكم من حضارات تلاشت ولم نجد لها أثارا إلا أخبارا أو أساطير، وكم من حضارات تلاشت ولم يسمع بها أحداً بعد ذلك، ولم تبق لها أي آثار ( تلك من أنباء الغيب ما كنت تعلمها أنت و لا قومك من قبل هذا).

ثم أنه لا يعرف شيئاً من حوادث المستقبل، فهو لا يستطع أن يعرف ماذا سيحدث له بعد شهر أو يوم أو ساعة (و ما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت) وأكبر مخاوف الإنسان الحديث البعيد عن الإيمان هو الخوف من المستقبل .

ويزداد ضعف الإنسان حين يفقد السيطرة على نفسه، أو حين يدخل في صراع بين عقله ومشاعره، حيث يجد نفسه عاجزاً عن دفع مشاعره، والخلاص من وساوسه، والتغلب على مخاوفه، أو معرفة مصدرها في بعض الأحيان.

ولأن الله خلقنا ضعفاء فقد رحم ضعفنا سبحانه، ومن رحمته بنا أن أرسل إلينا الرسل، وأنزل معهم الكتب، ليعلمونا ما ينفعنا وما يضرنا، وما هو خير لنا في الدنيا والآخرة (أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين . رحمةً من ربك إنه هو السميع العليم)، (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

هامش :
كتبت هذا الجزء من الآية بالديواني، لم أتقيد بالقواعد تماماً بل تركت القلم يسير في انسياب على الورقة في محاولة للتجديد والتطوير والابتك
ار.

_

بواسطة صالح الهزاع

مدون سعودي

أكتب تعليقك

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: