التركيب في خط الثلث

في الأسابيع الماضية و حين كنت وحدي في البيت تعطل جهازي المكتبي، واحتاج إلى إعادة تنصيب نظام التشغيل كما يقول عمال الصيانة حينما لا يعرفون سبب تعطل الجهاز، فقلت حسناً، سأريح نفسي من الإنترنت وأتسلى بالتلفزيون، ولكن جهاز الاستقبال تعطل أيضاً بفعل العاصفة الرملية التي هبت في تلك الليلة على الرياض، فلم يبق إلا الجوال، هاتفت أحد الأصدقاء، وتحدثنا طويلاً، أخبرته أني بلا إنترنت ولا تلفزيون، فقال لي متعجبا: أين تعيش!.

ماذا لو لم يكن هناك جوال أيضاً، لقد جرني كل ما جرى في تلك الليلة الغريبة إلى التفكير في حالتنا مع أجهزة الترفية التي نقضي معها أوقاتاً طويلةً دون أن نشعر، فهل يمكن أن نستمتع بوقتنا من دونها؟ أما أنا فقد حاولت أن أفعل ما أفعله في فراغي قبل أن أعتاد على هذه الأجهزة، حاولت القراءة، وبالفعل قرأت كما لم أقرأ منذ مدة، قرأت لساعات.

وبعد القراءة أخذت قلمي البوص، فقد كان مزاجي رائقاً جداً لحظتها، وحاولت أن أكتب آية من القرآن الكريم، وأن أركب كلماتها فوق بعض، وأن أجعل حروفها تتداخل بشكل جميل، وإن كنتم تذكرون فقد حدثتكم عن ذلك في التدوينة الأخيرة المصنفة في الخط العربي، حدثتكم عن جمال خط الثلث وروعته في تركيب الكلمات وتداخل الحروف، ومناسبته لذلك أكثر من غيره من أنواع الخطوط.

والحقيقة أن التركيب مهارة أخرى لا يجيدها كل خطاط، إذ تستلزم الذوق السليم في إخراج الشكل العام لما تكتبه في مظهر جميل، مع المحافظة على قواعد الخط الذي اخترته للكتابة، وبعد أن انتهيت عرفت إلى أي حد أخذتنا أجهزة الترفية من هواياتنا الجميلة، ومن عاداتنا المفيدة!.