كتاب من 202 صفحة، و 14 فصلاً للكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي المتخصصة في علم الاجتماع، تتحدث الكاتبة في مقدمته عن تاريخ بعض الكلمات مثل جارية، قينة، محظية، أمة، وحريم، واستخداماتها في العربية، وفي لغات أخرى، والكلمات التي تقاربها أو ترى بأنها ماخوذة منها في لغات أخرى غير العربية، ثم تتحدث عما تسميه ” فيروس الحريم ” وهو رغبة الرجل في رؤية المرأة خاضعة، أو مجرد أداة، ويثير فيه هذا الفيروس أحلاماً بشريكة سلبية، أو ثلاث نساء يقمن بتدليله.
ثم تطلب منك أن تسأل نفسك إن كنت مصاباً بهذا الفيروس الشائع الذي لا تبرئ حتى الأوربيين منه ، برغم أنهم لا يعترفون بذلك علناً لأن القانون يمنعهم ، فتقبع أحلامهم في النفسفوضائية ثم تطفو على السطح على هيئة عارضات الأزياء كما تقول !.
في الفصل الأول تتحدث الكاتبة عن مظاهر انتشار المرض في شمال المتوسط – كما تقول – ، ثم تذكر أوجه الشبه بين وضع المرأة الآن هناك و وضعها في روما قبل المسيحية ! ، ثم تنتقل للغرب و تذكر النماذج من عارضات الأزياء والصورة النمطية التي يكرسها لهن الإعلام الغربي ، و لكنها تتجاهل أن الإعلام لا يمثل الرجل لا في الغرب و لا في الشرق .
وفي الفصل الثاني تصوب فيه الممثل المغربي الذي قال في حوار من فلم كوميدي بأنه لم يعد ممكنا أن يجد الرجل في المغرب فتاة مطيعة تصغي لخطيبها دون معارضته، وتقول بأن الرجال المغاربة تطوروا، و أنهم يشعرون بارتياح إزاء عصر يطلب استبدال الجمود بالمرونة والشك باليقين والفلقة بالابتسامة، وأن الرجال في خضن خمسين عام من الاستقلال أعادوا اكتشاف بعضهم، وأن الرجال و النساء قد اجمعوا على تغيير خطابهم بعد صدمة حرب الخليج !.
وفي الوقت الذي تمتدح فيه نسبة النساء المتعلمات في الشرق العربي حيث تقول : ( و كلما اتجهنا شرقاً تضاءلت فرص الحصول على عروس شابة أمية و بالتالي خاضعة ) و خاصة النسب العلياء التي حصلت عليها دول الخليج لوصول النساء إلى التعليم العالي ، تعود و تنتقد حكومات هذه الدول فتقول : ( و بالتالي يجب أن يعيد أمراء النفط* النظر في سياسة ” الحرمنة ” … و المؤكد أن الأسلوب المتشدد لأمراء النفط سينقلب ضدهم فكلما أمعنت في تكبيل حرية المرأة العربية انصرفت المرأة إلى تحصيل العلم ) !.
ربما يكون ذلك صحيحًا ، و لكن لا أدري كيف توصلت إلى هذه النتيجة ، ما هو دليلها و مستندها الذي بنت عليه ، كيف حولت النسبة العالية لتعليم النساء في الخليج ضد الحكومات ، و ليس شيئًا يحسب لها ، أين ما وفرته الحكومات الخليجية من جامعات و إمكانيات و تسهيلات ؟! و لكن يبدو بأنها تريد من ذلك أن تقول أن نساء الخليج هن أكثر نساء العالم تكبيلاً ، و لكن بعبارة أخرى !، لا أجد تفسيراً غير ذلك ؛ لأنها من بداية الكتاب تقرن التعليم بتحرر المرأة و تجعل تعليم السبب في تحريرها ، إلا حينما جاء الحديث عن المرأة الخليجية !.
أما الفصل الثالث الذي كان عنوانه ” مالسبيل لإغواء النساء المتحررات ” فليس له من اسم نصيب ، و إنما هو تقريع للرجال بخطاب ملئ بالفوقية و الاستخفاف و السخرية ، و استعراض لمدى ثقافتها في الفن التشكيلي ، و معرفتها ببلدها المغرب و مدح أهله نساءً و رجالاً ، و لوم الأوروبيين عامة على اقتناء اللوحات ، و الرسامين على رسم المحضيات ، و خاصةً الرسام الفرنسي ” هنري ماتيس ” الذي خصصت الفصل الرابع لإدانته ، و بيان تأثير المغرب في شخصيته و لوحاته !، و لكن هل يمكن أن نستنتج فكرة ما من عدة لوحات لرسام أو أكثر و نعممها على جميع الرجال ؟!.
أما الفصل الخامس فقد كان الحديث فيه خاصًا بالخليفة العباسي هارون الرشيد ، لأن عصره يمثل الحريم في أذهان العرب كما تقول ، و كما لا يخفى عليكم فإن سيرة هذا الخليفة قد تعرضت للتشويه و المبالغة ، خاصة في كتب ألف ليلة و ليلة ذات المؤلف و الأصل المجهول ، و يقال بأنها فارسية ، و في كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني ، و هو شيعيٌ متهمٌ في أمانته ، و لا شك أن سبب هذا التشويه هو الانتقام من الخليفة الذي كان له أعداء كثيرين ، في السياسة و الديانة ، و لمزيد من الحديث حول هذا الموضوع أوصيكم بالرجوع إلى كتاب ” هارون الرشيد ، الخليفة المظلوم ” تأليف أحمد القطان و محمد طاهر الزين .
وفي الفصل السادس تحدثت عن السلطان محمد الفاتح ، فاتح القسطنطينية ، لأنه عصره يمكن الحريم في أذهان الأوروبيين كما تقول ، و قد قالت و كررت أن السلطان محمد أعطى الأمر لجنوده بالسلب و النهب حينما فتح القسطنطينية ، هذا ما لا أتصوره من قائد مسلم ، و لا أتصور مؤرخًا مسلم يذكر ذلك ، و لكنها نقلت عن مصادر غربية ! ، و إن كان قد حصل سلب و نهب فإنما هو من الجنود و لم يأمر به السلطان ، كما يفعل الكثير من الجنود في كل الحروب ، ثم إن الرق و السبي كان معروف عند جميع الأمم قبل العرب كما قالت في نهاية الفصل ، و لكنها ترى بأنه تحسن بعد الإسلام حينما قالت ” و بالتالي نرى الإسلام كان متقدما في حقوق الإنسان نوعاً ما ” !.
وفي الفصل السابع تؤكد الأفكار السابقة ، و تنتقد الديموقراطية الإغريقية لأنها كانت تمارس الرق ، و تمتدح العرب بعد الإسلام لأنه ناهض العبودية ، و لأنه تمكن منذ العصور الوسطى من إنشاء مجتمع متعدد الثقافات بينما لم يستوعب الغرب هذا المفهوم لفترة طويلة برغم الإنجازات العظيمة في مجال حقوق الإنسان ، و لكن لما استلهمت أوروبا من الحريم العثماني ، و لم تستلهم من الحريم الإغريقي ؟ و الجواب في الفصل التالي .
والجواب أنه بسبب تعددت الزوجات في الشرق الإسلامي !، هل الجواب غير مقنع بالنسبة لكم كما هو غير مقنع بالنسبة لي ؟ ، و السبب واضح و هو أن الرجل يستطيع أن ينال ما يريد من الإيماء المملوكات أكثر من الزوجات ، لو قالت بأن السبب أن الفاصل الزمني بين الحريم العثماني أقرب من الإغريقي لربما كان ذلك معقولاً ، و لكنها استدلت بإغواء الشرق و جاذبيته التي جعلت الأزياء الشرقية تنتقل إلى أوروبا ، و لكن هل زال هيام الغربيين بالحريم بعدما تفوقوا على الشرق ؟.
الجواب بأنه ما زال ، بل زاد ، و ساقت استدلالاً على ذلك رحالات المستشرقين و بعض الأوروبيين و الرسامين للشرق ، و حديثهم عنه بعامة ، و عن النساء و الحمامات خاصة ، وهذا برأيي لا يثبت شيئاً لأنه رد فعل طبيعي ، ثم ترى بأن سر هذا الانجذاب هو أن الإسلام أتاح للمسلم الاستماع و اللذة المباحة ، بينما الاخلاق المسيحية الطهرانية تدين الترف و المتعة و اللذة حتى في إطار الزواج !، و تعتقد بأن رغبة الغربيين في الحصول على حريم ناجمة عن كونهم مجبرين للارتحال إلى الشرق للاستمتاع .
وعلى عكس نظرة الأوروبيين و الغربيين عامة فإن النساء في الحريم العربي و التركي لم يكن مستسلمات كما صوروهن في لوحاتهم التشكيلية و إنما كن يحاولون التأثير مسار الحكم و السياسة كم ذكر المؤرخون ، أما الفصول الخمسة الأخيرة فليس علاقة كبيرة بالعنوان ، و قد سبق ذكر ماله علاقة في الفصول السابقة ، و خلاصة الكتاب هي السؤال الذي تطرح الكاتبة و هو : هل يمكن للرجال في هذا القرن أن يتخلصوا من النظرة الاستعبادية للمرأة التي تساويهم في الحضارة و الحرية ؟.
أما أنا فأقول لكل امرأة تشعر بأنها في حرب مع الرجال الذين يهددون حريتها ، و لكل رجل يشعر بأنه في معركة مع المرأة التي تهدد ممتلكاته و امتيازاته ، ما أجمل التصوير الرباني لعلاقة الرجل بالمرأة و العكس ، فهو سبحانه الذي خلقنا ، و هو أعلم بنا من أنفسنا، فقد قال في كتابه العزيز ( الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها ) ، (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها, وجعل بينكم مودة ورحمة) و غيرها الكثير من النصوص في الكتاب و السنة التي تعطينا التصور الصحيح للعلاقة بين الجنسين بعيدًا عن التحيز لطرف على حساب الطرف الآخر .
* هامش : لا أدري لماذا يعيرنا بعض إخواننا العرب بالنفط ، و يعيبون علينا امتلاك المال، مع أننا لم نقصر مع أحد، ومع أن هناك دول عربية غيرنا مثل العراق وليبيا تمتلك النفط، ولا أجد تفسرًا لذلك غير الحسد، برغم أننا لم نحسد أحدًا حينما كنا نعيش على الكفاف في صحراء الجزيزة العربية.